النبوات وفضائل نبينا محمد صلى الله عليه وسلم 16
✍بوعلام محمد بجاوي
و على أن المراد الأنبياء أو النبي محمد صلى الله عليه وسلم نفسه أو العموم الأنبياء و غيرهم :
ابن قتيبة أبو محمد عبد الله بن مسلم ( ت : 276 )
*حمل ابن قتيبة السيادة في "حديث الباب" على : يوم القيامة
و حمل حديث "يونس بن متى" على :
التواضع
أو لا تفضلوني عليه بالعمل، وهو راجع للتواضع لله تعالى
و وجه تخصيص يونس عليه السلام : ما قصّ الله عنه في القرآن من استعجاله وعدم صبره على قومه، و نهي النبي محمد صلى الله عليه وسلم أن يكون مثله في ترك الصبر
قال ابن قتيبة : قالوا : رويتم عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: "لا تفضلوني على يونس بن متى، ولا تخايروا بين الأنبياء" ثم رويتم أنه قال: "أنا سيد ولد آدم، ولا فخر، وأنا أول من تنشق عنه الأرض، ولا فخر"
قالوا : وهذا اختلاف وتناقض.
ونحن نقول : إنه ليس ههنا اختلاف ولا تناقض.
وإنما أراد أنه سيد ولد آدم يوم القيامة، لأنه الشافع يومئذ، والشهيد، وله لواء الحمد والحوض، وهو أول من تنشق عنه الأرض.
وأراد بقوله: "لا تفضلوني على يونس" طريق التواضع.
وكذلك قول أبي بكر رضي الله عنه : "وليتكم، ولست بخيركم".
وخصّ يونس لأنه دون غيره من الأنبياء، مثل إبراهيم وموسى وعيسى صلى الله عليهم وسلم أجمعين.
يريد فإذا كنت لا أحب أن أفضل على يونس، فكيف غيره، ممن هو فوقه
وقد قال الله تعالى } فاصبر لحكم ربك ولا تكن كصاحب الحوت { [ القلم : 48 ] أراد أن يونس، لم يكن له صبر كصبر غيره من الأنبياء.
وفي هذه الآية، ما دلك على أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أفضل منه، لأن الله تعالى يقول له : لا تكن مثله.
وذلك على أن النبي صلى الله عليه وسلم أراد بقوله "لا تفضلوني عليه" طريق التواضع .اهـ[1]
وقال : ويجوز أن يريد لا تفضلوني عليه في العمل، فلعله أكثر عملا مني، ولا في البلوى والامتحان، فإنه أعظم مني محنة.
وليس ما أعطى الله تعالى نبينا صلى الله عليه وسلم يوم القيامة من السؤدد، والفضل على جميع الأنبياء والرسل بعمله، بل بتفضيل الله تعالى إياه، واختصاصه له، وكذلك أمته أسهل الأمم محنة، بعثه الله تعالى إليها بالحنيفية السهلة، ووضع عنها الإصر والأغلال التي كانت على بني إسرائيل في فرائضهم، وهي - مع هذا- خير أمة أخرجت للناس، بفضل الله تعالى .اهـ[2]
الخطابي أبو سليمان حمد بن محمد ( ت : 388 ) :
ظاهر كلامه :
يحمل حديث الباب على التفضيل يوم القيامة بتقديمه في الشفاعة
و يحمل حديث يونس على منع تفضيله على يونس وغيره من الأنبياء في الدنيا، و إن كان الأفضلَ في الدارين
فعلى قوله لا يجوز التفضيل إلا مقيدا بيوم القيامة
قال : قوله "أنا سيد ولد آدم ولا فخر" مع قوله "لا يحل أحد أن يقول: أنا خير من يونس بن متى" وقوله "لا تخيروا بين الأنبياء" مختلفان في الظاهر، ووجه الجمع بينهما : أن هذه السيادة إنما هي في القيامة، إذ قدم في الشفاعة على جميع الأنبياء، وإنما منع أن يفضل على غيره منهم في الدنيا، وإن كان صلى الله عليه وسلم مفضلا في الدارين من قبل الله عزّ وجلّ .اهـ[3]
و في موضع آخر : حمل حديث الباب على إعلام الأمة بتفضيل الله له ليعتقدوه دينا، وتحدثا بنعمة الله عليه لا مفتخرا و لا متطاولا
و حديث يونس بن متى على التواضع لله، لأن الأفضلية حصلت له بتفضيل الله لا بعمله – كما في كلام ابن قتيبة – و خص يونس بالذكر لما جاء من قصته في القرآن، خروجه مغاضبا
قال الخطابي : قد يتوهم كثير من الناس أن بين الحديثين خلافا وذلك أنه قد أخبر في حديث أبي هريرة "أنه سيد ولد آدم"، و السيد أفضل من المسود.
وقال في حديث ابن عباس رضي الله عنهما "ما ينبغي لعبد أن يقول أنا خير من يونس بن متى"، والأمر في ذلك بين ووجه التوفيق بين الحديثين واضح، وذلك أن قوله أنا سيد ولد آدم، إنما هو إخبار عما أكرمه الله به من الفضل و السؤدد وتحدث بنعمة الله عليه و إعلام لأمته وأهل دعوته مكانه عند ربه ومحله من خصوصيته ليكون إيمانهم بنبوته واعتقادهم لطاعته على حسب ذلك، وكان بيان هذا لأمته وإظهاره لهم من اللازم له والمفروض عليه.
فأما قوله في يونس صلوات الله عليه وسلامه فقد يتأول على وجهين :
أحدهما : أن يكون قوله ما ينبغي لعبد إنما أراد به من سواه من الناس دون نفسه[4].
والوجه الآخر : أن يكون ذلك عاما مطلقا فيه وفي غيره من الناس، ويكون هذا القول منه على الهضم من نفسه وإظهار التواضع لربه يقول لا ينبغي لي أن أقول أنا خير منه لأن الفضيلة التي نلتها كرامة من الله سبحانه وخصوصية منه لم أنلها من قبل نفسي ولا بلغتها بحولي وقوتي فليس لي أن أفتخر بها وإنما يجب علي أن أشكر عليها ربي، وإنما خص يونس بالذكر - فيما نرى، والله أعلم - لما قصّه الله تعالى علينا من شأنه وما كان من قلة صبره على أذى قومه فخرج مغاضبا ولم يصبر كما صبر أولو العزم من الرسل.
قلت وهذا أولى الوجهين وأشبههما بمعنى الحديث فقد جاء من غير هذا الطريق أنه قال صلى الله عليه وسلم : "ما ينبغي لنبي أن يقول إني خير من يونس بن متى" فعمّ به الأنبياء كلهم فدخل هو في جملتهم .اهـ[5]
و قال : قوله "لا ينبغي أن يقول: أنا خير من يونس بن متَّى",يريد ليس لعبد أن يُفضِّل نفسه على يونس.
ويحتمل أن يكون أراد : لا ينبغي لأحد أن يُفضِّلني عليه , وإنما خصَّ يونس لأن الله عزّ وجلّ لم يذكره في جملة أولي العزم من الرسل.
وقال } ولا تكن كصاحب الحوت إذ نادى وهو مكظوم { [ القلم : 48 ] وقال } وذا النون إذ ذهب مغاضباً فظنَّ أن لن نقدر عليه { الآية [ الأنبياء : 87 ] .. فقصَّر به عن مراتب أولي العزم والصبر من الرسل.
يقول صلى الله عليه وسلم : إذا لم يكن آذن لكم أن تفضِّلوني على يونس فلا يجوز لكم أن تُفضِّلوني على غيره من ذوي العزم من أجلَّة الأنبياء صلوات الله عليهم أجمعين، وهذا منه صلى الله عليه و سلم على مذهب التواضع أيضا والهضم من النفس وليس بمخالف لقوله "أنا سيد ولد آدم" لأنه لم يقل ذلك مُفتخراً ولا متطاولا به على الخلق، إنما قال ذاكرا للنعمة ومعترفا بالمِنَّة فيه وأراد بالسيادة ما يُكرَّم به في القيامة من الشفاعة وقد ذكرنا هذا فيما تقدَّم من الكتاب .اهـ[6]
وحمل في موضع النهي أن يؤدي بهم ذلك إلى إطرائه بالباطل
قال في حديث "لا تطروني كما أطرت النصارى ابن مريم فإنما أنا عبده , فقولوا: عبد الله ورسوله" [ خ / 3445 ، 6830 ] : الإطراء : المدح بالباطل، وذلك أنهم دعوه ولدا لله – سبحانه وتعالى عما يشركون – , واتخذوه إلها وذلك من إفراطهم في مدحه , واطرائه ولهذا المعنى - والله أعلم - يهضم نفسه في الأحاديث التي تقدَّم ذكرها فقال :"لا تفضلوني على يونس بن متَّى" شفقا أن يطرُوهُ، وأن يقولوا فيه الباطل .اهـ[7]
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق