شرح تلقين القاضي عبد الوهاب 14
تفصيل القول في الفرائض من حيث الحكم
و هذه الفروض على
قسمين :
الفرائض
المتفق عليها بين علماء الأمة[1] :
و هي الأربعة التي ذكر
الله تعالى : غسل الوجه، غسل اليدين إلى المرفقين، مسح الرأس، غسل الرجلين إلى
الكعبين
قال تعالى} يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ
إِلَى الصَّلَاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ
وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ{ [ المائدة 6 ]
الفرائض المختلف فيها :
و هي : النية، الماء المطلق، و
يضاف إليهما مما لم يذكره القاضي : الترتيب بين
أعضاء الوضوء، و نذكر الموالاة في "الواجبات"
أولا : النية
و هي : القصد و الإرادة
فائدتها :
1 / التميـيز بين العبادات و العادات :
2 / و بين العبادات نفسها :
بين الفرض و النفل، و بين فرض و فرض، و بين نفل
و نفل
قال
عبد العزيز بن عبد السلام ( ت : 660 ) : والغرض
من النيات :
تمييز العبادات عن العادات، أو تمييز رتب
العبادات
أما تمييز العبادات عن العادات فله أمثلة :
أحدها الغسل :
فإنه مردّد بين ما يفعل قربة إلى الله كالغسل عن الأحداث، و بين ما يفعل لأغراض
العباد من التبرّد و التنظيف والاستحمام والمداواة و إزالات الأوضار والأقذار،
فلما تردّد بين هذه المقاصد وجب تمييز ما يفعل لرب الأرباب عما يفعل لأغراض
العباد.
المثال الثاني دفع الأموال : مردّد بين أن يفعل هبة أو هدية أو وديعة، وبين أن يفعل
قربة إلى الله كالزكوات والصدقات والكفارات، فلمّا تردّد بين هذه الأغراض، وجب أن
تميّز النية لما يفعل لله عما يفعل لغير الله.
المثال الثالث الإمساك عن المفطرات : تارة يفعل لغرض في الإمساك عن المفطرات وتارة يفعل
قربة إلى رب الأرضين والسموات، فوجب فيه النية لتصرفه عن أغراض العباد إلى التقرب
إلى المعبود.
المثال الرابع حضور المساجد : قد يكون للصلوات أو الراحات أو للقربة بالحضور فيها
زيارة للرب سبحانه وتعالى، لما تردّد بين هذه الجهات وجب أن يميز الحضور في المسجد
زيارة لرب الأرباب عما يفعل لغير ذلك من الأغراض.
المثال الخامس الضحايا والهدايا : لما كان ذبح الذبائح في الغالب يفعل لغير الله من ضيافة
الضيفان وتغذية الأبدان، ونادر أحواله أن يفعل تقربا إلى الملك الديان شرطت فيه
النيات تمييزا لذبح القربة عن الذبح للاقتيات و الضيافات، لأن تطهير الحيوان
بالذكاة كتطهير الأعضاء بالمياه من الأحداث، تارة يكون لله وتارة يكون لغير الله فميزت
الطهارة الواقعة لله عن الطهارة الواقعة لغيره.
المثال السادس الحج : لما كانت أفعاله مرددة بين العبادات والعادات وجبت فيه
النية تمييزا للعبادات عن العادات.
[ التمييز بين العبادات أو رتبها ]
وأما مثال تمييز رتب العبادات فكـ :
الصلوات : تنقسم إلى فرض ونفل، والنفل ينقسم إلى راتب وغير
راتب، والفرض ينقسم إلى منذور وغير منذور، وغير المنذور ينقسم إلى ظهر وعصر ومغرب
وعشاء وصبح، وإلى قضاء وأداء فيجب في النفل أن يميز الراتب عن غيره بالنية وكذلك
تميز صلاة الاستسقاء عن صلاة العيد.
وكذلك في الفرض تميز الظهر عن العصر، و المنذورة
عن المفروضة بأصل الشرع
[ العبادات المالية ] : وكذلك في العبادة المالية تميّز الصدقة الواجبة عن النافلة،
والزكاة عن المنذورة و النافلة.
[ الصوم ] :
وكذلك يميز صوم النذر عن صوم النفل، وصوم الكفارة عنهما، وصوم رمضان عما سواه
[ الحج ] :
و يميز الحج عن العمرة تميزا لبعض راتب العبادات عن بعض.
ولا يكفيه مجرد نية القربة دون تعيين
الرتبة، فإن أطلق نية الصوم والصلاة حمل على أقلها، لأنه لم ينو التقرب بما زاد
على رتبتها... .اهـ[2]
و نية الوضوء : هي في الجملة قصد عبادة الوضوء أو المقصود من الوضوء –
وهو رفع الحدث أو استباحة ما يمنع منه الحدث –، و يأتي الكلام عن صور القصد، و بعض
الأحكام المتعلقة بالنية
حكمها :
الأصل و الإجماع أن العبادات لا تصح إلا بنية
لحديث عمر بن الخطاب المشهور سمعت رسول الله صلى
الله عليه وسلم يقول : إنما
الأعمال بالنية، و إنما لكل امرئ ما نوى، فمن كانت هجرته إلى الله ورسوله، فهجرته
إلى الله ورسوله، و من كانت هجرته إلى دنيا يصيبها أو امرأة يتزوجها، فهجرته إلى
ما هاجر إليه [خ 1،54،2529،3898،5070،،6689،6953-م1907
]
ظاهر
الحديث : الأعمال جميعها
المشروعة والمباحة لا بدّ لها من نية وقصد من المكلّف، و أن الفاعل لا ينال إلا ما
قصد ونوى، ومثّل له بالهجرة – ويروى أنه سبب ورود الحديث –، فمن كانت نيته الهجرة
لله ورسوله – أي العبادة – نال أجره عند الله، و من كانت نيةُ هجرتِه امرأةً يتزوجها – أي المباح نال – إن نال ولم
يخب سعيه – ما نوى وهو الزواج، ولم يستحقّ الأجر والثواب لأنه لم يرد العبادة، ومن
كانت نيته فاسدة يريد بالعمل المشروع في نفسه أو المباح الشرّ كان له الإثم بما
نوى كالمسجد الضرار أو بالنصيحة التعيير، فيكون هذا الحديث في :
الأفعال المشروعة (العبادات) لا
تجزئ إلا بنية العبادة
و التي تشترك فيها العادة والعبادة
و يتميّز كل منهما بالنية والقصد، كما هو الحال في الهجرة
أما الأفعال المحرمة فلا تتعلق بها
النية، لأن النية مقرونة بالعمل المشروع أو المباح أما المحرم فلا تنفعه نية
خلاصته : الأعمال لا بدّ لها من
نية و هذا إخبار عن واقع، و ليس للعامل عند الله إلا ما نوى بعمله
نسبه ابن رجب إلى جمهور المتقدمين
و يحتمل : إنما صحّة
الأعمال المشروعة – وهذا تخصيص منهم للفظ – بتقدير محذوف، و بحمل "الأعمال"
على خاصٍّ، وهي الأعمال المشروعة.[3]
لكن اختلف العلماء في عبادات هل يشترط لها النية و منها الوضوء والغسل
شرح تلقين القاضي عبد الوهاب 15
شرح تلقين القاضي عبد الوهاب 01
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق