الأربعاء، 20 مايو 2020

بين يدي رمضان 17

بين يدي رمضان 17

بين يدي رمضان 17

✍بوعلام محمد بجاوي



فلا بدّ من مراعاة هذا الأصل في فهم المروي عن السلف، وقبله في فهم نصوص الكتاب والسنة :
قال تعالى } وما يعمر من معمر ولا ينقص من عمره { [ فاطر: 11 ]
اختلف في معنى الآية، بعد الاتفاق على أن الآجال مضروبة لا تتغير[1]
و أقرب الأقوال – والله أعلم – المعمّر الذي يعيش إلى أن يشيخ : كم يعيش ؟، و الذي ينقص من عمره : آخر لم يعمّر، نقص من عمره عن عُمر من يعمر أي يشيخ، كم يعيش أو كم نقص من عمره عن عمر المعمر، ومنهم من حدّه بـ : ستين سنة، وهو قتادة بن دعامة السدوسي[2] لعله أخذه من قول ابن عباس في قوله تعالى } أولم نعمركم ما يتذكر فيه من تذكر { [ فاطر: 37 ] قال : ستون سنة[3] ولعل ابن عباس أخذه من :
البخاري ( 6419 ) حدثني عبد السلام بن مطهر حدثنا عمر بن علي عن معن بن محمد الغفاري عن سعيد بن أبي سعيد المقبري عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : أعذر الله إلى امرئ أخر أجله، حتى بلغه ستين سنة
تابعه أبو حازم وابن عجلان : عن المقبري .اهـ
أخرجه الحاكم من طريق الليت عن المقبري ( 3597 )      
وأخرجه أحمد ( 7713 ) حدثنا عبد الرزاق حدثنا معمر [ بن رشاد ] عن رجل من بني غفار عن سعيد المقبري عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : لقد أعذر الله إلى عبد أحياه حتى بلغ ستين أو سبعين سنة، لقد أعذر الله إليه، لقد أعذر الله إليه.
وهو في تفسير عبد الرزاق ( 3 / 74 – أثر : 2456 )
ويعود إلى كتابة الآجال أجل المعمر وغير المعمر
و يُشكل عليه عود الضمير في "عمره" الظاهر أنه يعود على "الـمُعمِّر" – و يستحيل أن يكون الشخص الواحد معمرا و غير معمر – ولهذا قيل : يكتب كم يعمر، ويكتب كم ينقص من عمره حتى نهاية أجله
قال الزجاج أبو إسحاق إبراهيم بن السري ( ت : 311 ) : وتأويل الآية أن الله - جل وعزّ - قد كتب عمر كل معمّر، وكتب يعمر كذا وكذا سنة وكذا وكذا شهرا، وكذا وكذا يوما، وكذا وكذا ساعة
فكلما نقص من عمره من سنة أو شهر أو يوم أو ساعة كتب ذلك حتى يبلغ أجله .اهـ[4]
وعلى التفسير المختار : المقصود وما يعمر من أحد و لا ينقص من عمره
وقيل : قد يكون للشخص أجلان مكتوبان، كما يأتي في حديث : من أحب أن ينسأ له في أجله...
ويكون تقدير الآية على هذا : ما يعمر من إنسان بفعلٍ ما أو دعاءٍ أو ينقص لو لم يفعله أو يدعو عن عمره لو فعله
قال ابن جزي أبو القاسم، محمد بن أحمد ( ت : 741 ) : فإن قيل: إن التعمير والنقص لا يجتمعان لشخص واحد فيكف أعاد الضمير في قوله: ولا ينقص من عمره على الشخص المعمر؟
فالجواب من ثلاثة أوجه :
الأول – وهو الصحيح – : أن المعنى ما يعمر من أحد ولا ينقص من عمره إلا في كتاب، فوضع من معمر موضع من أحد، وليس المراد شخصا واحدا، وإنما ذلك كقولك لا يعاقب الله عبدا ولا يثيبه إلا بحق
والثاني : أن المعنى لا يزاد في عمر إنسان ولا ينقص من عمره إلا في كتاب، وذلك أن يكتب في اللوح المحفوظ أن فلانا إن تصدق فعمره ستون سنة وإن لم يتصدق فعمره أربعون، وهذا ظاهر قول رسول الله صلى الله عليه وسلم : صلة الرحم تزيد في العمر[5]، إلا أن ذلك مذهب المعتزلة القائلين بالأجلين وليس مذهب الأشعرية، وقد قال كعب حين طعن عمر: لو دعا الله لزاد في أجله، فأنكر الناس عليه فاحتج بهذه الآية[6].
والثالث : أن التعمير هو كتب ما يستقبل من العمر، و النقص هو: كتب ما مضى منه في اللوح المحفوظ وذلك حق كل شخص .اهـ[7]
فليس المقصود : ينقص عمره عمّا هو مقدر في اللوح المحفوظ
وقد صحّ عن النبي صلى الله عليه وسلم : الاستعادة من "سوء القضاء" :
البخاري ( 6347 ) حدثنا علي بن عبد الله حدثنا سفيان [ بن عيــينة ] حدثني سمي عن أبي صالح عن أبي هريرة : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم  يتعوذ من جهد البلاء، ودرك الشقاء، وسوء القضاء، وشماتة الأعداء
قال سفيان : الحديث ثلاث، زدت أنا واحدة، لا أدري أيتهن هي
البخاري ( 6616 ) حدثنا مسدد حدثنا سفيان عن سمي عن أبي صالح عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : تعوذوا بالله من جهد البلاء، ودرك الشقاء، وسوء القضاء، وشماتة الأعداء
و أخرجه مسلم 53 - (2707) حدثني عمرو الناقد وزهير بن حرب عن سفيان...  قال عمرو في حديثه : قال سفيان : أشكّ أني زدت واحدة منها
فليس المقصود سؤال تغيير القضاء، و لكن الاستعادة من القدر نفسه من القدر، كما أن سؤال العبد ليس المقصود منه تغيير القدر، ولكنه نفسه من القدر
قال ابن حجر أبو الفضل أحمد بن علي ( ت : 852 ) : وفيه مشروعية الاستعاذة، ولا يعارض ذلك كون ما سبق في القدر، لا يرد لاحتمال أن يكون مما قضى، فقد يقضى على المرء مثلا بالبلاء ويقضى أنه إن دعا كشف، فالقضاء محتمل للدافع [ الدعاء ] و المدفوع [ المكروه ]، وفائدة الاستعاذة و الدعاء إظهار العبد فاقته لربه وتضرعه إليه .اهـ[8]
وصحّ عنه صلى الله عليه وسلم أيضا : أن من العمل ما يزيد في الرزق و يطيل في العمر :
البخاري ( 2067 ) حدثنا محمد بن أبي يعقوب الكرماني حدثنا حسان [ بن إبراهيم الكرماني ] حدثنا يونس [ بن يزيد ] قال محمد - هو الزهري - : عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : من سرّه (أحبّ[9]) أن يبسط له في رزقه، أو ينسأ له في أثره، فليصل رحمه [ م /  20 - (2557) من طريق يونس عن الزهري خ / 5986 و م / 21 - (2557) من طريق عقيل عن الزهري. خ / 5985 عن إبراهيم بن المنذر عن محمد بن معن عن أبيه عن سعيد بن أبي سعيد، عن أبي هريرة رضي الله عنه يرفعه ]
فليس المقصود على ما في اللوح المحفوظ، بل إن الله وسّع له في رزقه وأطال في عمره بذلك العمل، وكل في اللوح المحفوظ مسطور
قال البيهقي أبو بكر أحمد بن الحسين ( ت : 458 ): والمعنى في هذا أن الله – جل ثناؤه – قد كتب ما يصيب عبدا من عباده من البلاء والحرمان والموت وغير ذلك، وأنه إن دعا الله تعالى أو أطاعه في صلة الرحم وغيرها، لم يصبه ذلك البلاء، و رزقه كثيرا، وعمره طويلا، وكتب في أم الكتاب ما هو كائن من الأمرين، فالمحو والإثبات يرجع إلى أحد الكتابين كما أشار إليه ابن عباس، والله أعلم .اهـ[10]
و يأتي ذكر الآثار عن ابن عباس، و هو أحد المعاني التي حملت الآية عليه.

[1] تفسير الطبري 19 / 342 - 344
[2] الدر المنثور في التفسير بالمأثور 12 / 265 عزاه لتفسير ابن أبي حاتم
[3] تفسير الثوري ص 247  تفسير عبد الرزاق  3 / 74 – أثر : 2456 تفسير الطبري 19 / 384  ويروى عنه : أربعون سنة تفسير الطبري 19 / 384
[4] مهاني القرآن وإعرابه 4 / 265 – 266
[5] أصله في الصحيحين كما يأتي، وبهذا اللفظ – وهو جزء من حديث – أخرجه الطبراني في الأوسط ( 943 ) من طريق بهز بن حكيم عن أبيه عن جده يرفعه. وابن المقرئ في معجمه من طريق ابن عباس ( 433 ) وابن شاهين في الترغيب في فضائل الأعمال ( 386 ) والشهاب ( 100 ) من طريق ابن مسعود ( غرائب )
[6] تفسير عبد الرزاق 3 / 74 – أثر : 2454
[7] التسهيل لعلوم التنزيل ص: 684 - ط : الشارقة
[8] فتح الباري 11 / 149
[9] رواية : عقيل
[10] القضاء والقدر 214 - 215

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق