بين يدي رمضان 16
✍بوعلام محمد
بجاوي
مسألة : تغير التقدير ليلة القدر
و هذا راجع لمعنى قوله تعالى } يمحو الله ما يشاء ويثبت
وعنده أم الكتاب { [ الرعد : 39 ] هل المقصود التقدير، أو الأحكام و
القرآن، أو الإبقاء والإماتة، أو العقوبة و العفو، أو الإضلال بعد الهدى و دوام
الهدية ؟
والقائلون بأن المقصود "التقدير"، صنفان:
الأول
: القائلون بالعموم
التغيير عام لما في اللوح المحفوظ وغيره، بشرط يأتي
التنبيه عليه إعمالا للأصل
الآخر
: القائلون بالتخصيص
ما كان في اللوح المحفوظ لا يتغير، و ما كان في غيره
كالذي ينسخ ليلة القدر يدخله التغيير
وظاهر بعض الروايات كتاب ليلة القدر ينسخ ما سبقه فيما
عدا السعادة والشقاء والحياة والموت، بشرط يأتي التنبيه عليه إعمالا للأصل
قال الطبري : اختلف أهل التأويل في تأويل ذلك :
فقال بعضهم: يمحو الله ما يشاء من أمور
عباده، فيغيره، إلا الشقاء والسعادة فإنهما لا يغيران[1]...
[ والحياة والموت كما في بعض الآثار
التي ذكرها، رواه عن ابن عباس ومجاهد، وظاهر كلاميهما التغيير يكون في ليلة القدر،
وفي رواية عن ابن عباس: يمحو
بالدعاء ما شاء من القدر. ]
وقال آخرون: معنى ذلك: أن الله
يمحو ما يشاء ويثبت من كتاب سوى أم الكتاب الذي لا يغير منه شيء[2]...
[
وعليه الكتاب الذي يكتب ليلة القدر يتغير، بخلاف المكتوب في اللوح المحفوظ، فليس
فيه إلا المثبت، رواية عن ابن عباس وعكرمة ]
وقال آخرون: بل معنى ذلك أنه
يمحو كل ما يشاء، ويثبت كل ما أراد[3]...
[
روى عن عمر بن الخطاب و عبد الله بن مسعود بن مسعود وكعب بن مالك و أبي وائل شقيق بن
سلمة والضحاك بن مزاحم ما يدل على ذلك.
و
ظاهر قوله في حكاية القول الأول و هذا القول : حتى ما في اللوح المحفوظ أو أم
الكتاب قد يتغير، لكن المقصود – إن صحت الرواية - : المثبت والممحو في أم الكتاب،
أي في اللوح المحفوظ يوجد القضاء الأول ومحوه في كتاب آخر ]
وقال آخرون : بل معنى ذلك: أن الله ينسخ ما يشاء من
أحكام كتابه، ويثبت ما يشاء منها فلا ينسخه[4]...
[
نسخ الأحكام مع نسخ اللفظ أو بدونه، وهو أحد التفسيرين عن ابن عباس، ورواه عن
قتادة بن دعامة السدوسي و عبد الرحمن بن زيد بن أسلم وابن جريج، وقال البيهقي عن
هذا التفسير : هذا أصح ما قيل في تأويل هذه الآية، وأجراه على الأصول .اهـ[5] ]
وقال آخرون: معنى ذلك أنه يمحو من قد حان أجله، ويثبت
من لم يجئ أجله إلى أجله[6]...
[
و كذلك الرزق يمحو رزق الميت، وهو اختيار الطبري، رواه عن الحسن و عن
مجاهد، لكن في فهم كلام ابن مجاهد نظر، وفي استدلاله عليه من السنة نظر. وعليه لا
يوجد تغيير ]
وقال آخرون: معنى ذلك: ويغفر ما يشاء من
ذنوب عباده، ويترك ما يشاء فلا يغفر[7]...
[
رواه عن سعيد بن جبير. و عليه لا يوجد تغيير ] .اهـ[8]
وهناك قول آخر رواه الطبري عن
الكلبي [ محمد بن السائب ] قوله، ورواه الكلبي عن باذام أبي صالح : يمحو كل خميس ما ليس
فيه ثواب من القول كـ : أكلت، وشربت، ودخلت، وشربن، ونحو هذا الكلام[9]
أبو صالح متروك متهم، وهو يحكي رأيه، وقوله لا وزن له،
ولهذا أهمله الطبري
و في
رواية ذكرها عن ابن عباس في القول الثالث : هو الرجل يعمل الزمان بطاعة
الله ثم يعود لمعصية الله فيموت على ضلالة فهو الذي يمحو، والذي يثبت: الرجل يعمل
بطاعة الله، وقد كان سبق له خير حتى يموت وهو في طاعة الله، فهو الذي يثبت
ومعنى
هذه الرواية : المحو هو الإضلال بعد الهدى، والإثبات : التوفيق لاستمرار الهداية.
و لا عليه لا تغيير
تنبيه : قال أبو عبد البر بوعلام محمد بجاوي :
والمقصود التغيير فيما ينسخ للملائكة أو فيما يوحى إليهم، أما التغير في علم الله،
فلا يشك فيه مسلم، فالله يعلم المثبت والممحو، بل هو عنده في كتاب
قال الطبري في تفسير } وعنده أم الكتاب { : وأولى الأقوال في ذلك بالصواب قول من قال : وعنده أصل الكتاب
وجملته، وذلك أنه تعالى ذكره أخبر أنه يمحو ما يشاء ويثبت ما يشاء، ثم عقب ذلك
بقوله } وعنده أم الكتاب { فكان بينا أن معناه: وعنده أصل المثبت منه
والممحو، وجملته في كتاب لديه .اهـ[10]
قال البيهقي في مقدمة كتابه "القضاء
والقدر" : كتاب إثبات القدر، والبيان من كتاب الله جلّ
ثناؤه، وسنّة رسوله محمد صلى الله عليه وسلم، وأقاويل الصحابة والتابعين، وأئمة
المسلمين رضي الله عنهم أجمعين أن أفعال الخلق كلها مقدرة لله عزّ وجلّ مكتوبة له
وأن الله عزّ وجلّ لم يزل عالما بما يكون ولا يزال عالما بما كان ويكون، قال الله } ألا يعلم من خلق وهو اللطيف الخبير { [ الملك : 14 ] وقال
} ذلك تقدير العزيز العليم { [ يس : 38 ] وقال
} وهو الفتاح العليم { [ سبأ : 26 ] فقدّر
ما علم أنه يكون، وهو أن كتب ما علم، ثم خلق ما كتب، فمضى الخلق على كتابه وتقديره
وعلمه لا راد لقضائه، ولا مرد لحكمه ولا تبديل لخلقه، ولا حول ولا قوة إلا به .اهـ[11]
وقال : باب ذكر البيان
أن الله عزّ وجلّ كتب المقادير كلها في "الذكر" وهو المراد بتقدير
المقادير على ما لم يزل به عالما، قال الله عزّ وجلّ } وكل شيء أحصيناه
في إمام مبين { [ يس: 12 ] وقال } ما أصاب من مصيبة في الأرض ولا في أنفسكم إلا في كتاب من
قبل أن نبرأها { [ الحديد:
22 ] ، وقال } وإن من قرية إلا نحن مهلكوها قبل يوم القيامة أو معذبوها
عذابا شديدا كان ذلك في الكتاب مسطورا { [ الإسراء :
58 ] و قال } ولقد كتبنا في
الزبور من بعد الذكر أن الأرض يرثها عبادي الصالحون { [ الأنبياء:
105 ] .اهـ[12]
البخاري :
( 3191 ) حدثنا عمر بن حفص بن غياث حدثنا أبي حدثنا الأعمش حدثنا
جامع بن شداد عن صفوان بن محرز أنه حدثه عن عمران بن حصين رضي الله عنهما، قال :
دخلت على النبي صلى الله عليه وسلم، وعقلت ناقتي بالباب، فأتاه ناس من بني تميم
فقال : اقبلوا البشرى يا بني تميم، قالوا : قد بشرتنا فأعطنا،
مرتين، ثم دخل عليه ناس من أهل اليمن، فقال : اقبلوا البشرى يا أهل اليمن، إذ لم يقبلها بنو تميم، قالوا: قد قبلنا يا
رسول الله، قالوا: جئناك نسألك عن هذا الأمر ؟ قال : كان الله ولم يكن شيء غيره، وكان عرشه على الماء،
وكتب في الذكر كل شيء، وخلق السموات والأرض.
فنادى مناد: ذهبت
ناقتك يا ابن الحصين، فانطلقت، فإذا هي يقطع دونها السراب، فوالله لوددت أني كنت
تركتها
( 7418 ) حدثنا عبدان [ عبد الله بن عثمان بن جبلة ] قال أخبرنا
أبو حمزة [ محمد بن ميمون، لم يخرج له البخاري إلا من رواية عبدان، وهو من قدماء
أصحابه لأنه تغير بعد فقد بصره[13] ] عن الأعمش
وأخرجه في مواضع ليس فيها الشاهد : ( 3190
، 4365 ، 4368 )
السراب ينقطع دونها،
وايم الله لوددت أنها قد ذهبت ولم أقم.
مسلم 16
- ( 2653 ) حدثني أبو الطاهر أحمد بن عمرو بن
عبد الله بن سرح حدثنا [ عبد الله ] ابن وهب، أخبرني أبو هانئ [ حميد بن هانئ ] الخولاني
عن أبي عبد الرحمن [ عبد الله بن يزيد المعافري ] الحُبلي عن عبد الله بن عمرو بن
العاص، قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : كتب الله مقادير الخلائق قبل أن يخلق السماوات
والأرض بخمسين ألف سنة، قال: وعرشه على الماء.
[1] تفسير الطبري 13 / 559
[2] تفسير الطبري 13 / 561
[3] تفسير الطبري 13 / 563
[4] تفسير الطبري 13 / 566
[5] القضاء والقدر 217
[6] تفسير الطبري 13 / 567
[7] تفسير الطبري 13 / 568
[8] تفسير الطبري 13 / 559 - 571
[9] تفسير الطبري 13 / 566
[10] تفسير الطبري 13 / 573
[11] القضاء والقدر 107
[12] القضاء والقدر 111
[13] هدي الساري
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق