الموعظة بالإسلام 11
✍بوعلام محمد بجاوي
مجيء الله تعالى للفصل
بين العباد :
} و جاء ربك و الملك صفا صفا { [ الفجر 22 ]
أي لفصل
القضاء بين الناس
قال ابن كثير : يعني : لفصل القضاء
بين خلقه، وذلك بعدما يستشفعون إليه بسيد ولد آدم على الإطلاق محمد صلى الله عليه
وسلم، بعدما يسألون أولي العزم من الرسل واحدا بعد واحد، فكلهم يقول: لست بصاحب
ذاكم، حتى تنتهي النوبة إلى محمد صلى الله عليه وسلم فيقول "أنا لها، أنا
لها". فيذهب فيشفع عند الله في أن يأتي لفصل القضاء فيشفعه الله في ذلك، وهي
أول الشفاعات، وهي المقام المحمود .اهـ[1]
بدليل قوله بعدها } وَجِيءَ يَوْمَئِذٍ بِجَهَنَّمَ يَوْمَئِذٍ يَتَذَكَّرُ
الْإِنْسَانُ وَأَنَّى لَهُ الذِّكْرَى (23) يَقُولُ يَالَيْتَنِي قَدَّمْتُ
لِحَيَاتِي (24) {
} و
أشرقت الأرض بنور ربّها { [
الزمر 69 ]
قال ابن
كثير : أي: أضاءت يوم القيامة إذا تجلى
الحق، تبارك وتعالى، للخلائق لفصل القضاء .اهـ[2]
بدليل قوله بعدها } وَوُضِعَ الْكِتَابُ وَجِيءَ بِالنَّبِيِّينَ وَالشُّهَدَاءِ
وَقُضِيَ بَيْنَهُمْ بِالْحَقِّ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ (69) وَوُفِّيَتْ كُلُّ
نَفْسٍ مَا عَمِلَتْ وَهُوَ أَعْلَمُ بِمَا يَفْعَلُونَ (70) {
} هل ينظرون إلا أن يأتيهم
الله في ظلل من الغمام و الملائكة و قضي الأمر و إلى الله ترجع الأمور { [ البقرة 210 ]
قال ابن كثير : يعني يوم القيامة، لفصل
القضاء بين الأولين والآخرين، فيجزي كل عامل بعمله، إن خيرا فخير، وإن شرا فشر .اهـ[3]
بدليل قوله } و قضي الأمر و إلى الله
ترجع الأمور {
ويروى
أن الملائكة هي من يأتي في ظلل من الغمام دون الله تعالى، وهو بعيد[4]
وقوف الملائكة صفا صفا
في خشوع :
} و جاء ربك و الملك صفا صفا { [ الفجر 22 ]
} يوم يقوم الروح[5] و الملائكة صفا صفا لا
يتكلمون إلا من أذن له الرحمن و قال صوابا { [ النبأ 38 ]
بين يدي
الله تعالى، أو أنهم يصطفون حول الخلق صفوفا، كما في الآية التالية
} و انشقّت السماء فهي يومئذ واهية . و الملك على أرجائها و يحمل
عرش ربّك فوقهم يومئذ ثمانية { [ الحاقة 16 – 17 ]
قال القرطبي أبو عبد الله محمد بن أحمد ( ت : 671 ) : والأرجاء النواحي
والأقطار بلغة هذيل .اهـ[6]
والظاهر أن المقصود الإحاطة
بالخلق
الخشوع التام و الصمت
المطبق عند مجيء الله تعالى :
} و خشعت الأصوات للرحمن فلا تسمع إلا همسا { [ طه 108 ]
} يوم يأت لا تكلّم نفس إلا بإذنه { [ هود 105 ]
تطاير صحف الأعمال :
و تتطاير صحف الأعمال، الناجون
يأخذونها باليمين، و الخاسرون بالشمال من وراء الظهور
} فأما من أوتي كتابه بيمينه فيقول هاؤم اقرؤوا كتابيه إني ظننت
أني ملاق حسابيه فهو في عيشة راضية في جنة عالية قطوفها دانية كلوا و اشربوا هنيئا
بما أسلفتم في الأيام الخالية و أما من أوتي كتابه بشماله فيقول يا ليتني لم أوت
كتابيه و لم أدر ما حسابيه يا ليتها كانت القاضية ما أغنى عني ماليه هلك عني
سلطاني خذوه فغلوه ثم الجحيم صلوه ثم في سلسلة ذرعها سبعون ذراعا فاسلكوه إنه كان
لا يؤمن بالله العظيم و لا يحض على طعام المسكين فليس له اليوم هاهنا حميمو لا
طعام إلا من غسلين لا يأكله إلا الخاطئون { [ الحاقة 19 – 37 ]
دانية : ثمار
الأشجار قريبة التناول و الأخذ، حيث يتناولها و هو متكئ على أريكته
فغلوه : اجعلوا
يده إلى عنقه في الأغلال
صلوه : أدخلوه
فيها
ذرعها : قال القرطبي : الله أعلم بأي ذراع .اهـ[7]
فاسلكوه : تدخل
في أسته ثم تخرج من فيه أو من منخريه، ثم ينظمون فيها كما ينظم الجراد في العود
عند شوائه
حميم : صديق
و مؤنس ينفعه و يغيثه
غسلين : صديد
أهل النار الخارج من بطونهم
} يا أيها الإنسان إنك كادح إلى ربك كدحا فملاقيه فأما من أوتي
كتابه بيمينه فسوف يحاسب حسابا يسيرا و ينقلب إلى أهله مسرورا و أما من أوتي كتابه
وراء ظهره فسوف يدعوا ثبورا و يصلى سعيرا إنه كان في أهله مسرورا إنه ظن أن لن
يحور بلى إن ربه كان به بصيرا { [ الانشقاق 6 – 15 ]
كادح : ساع
إليه
العرض و الحساب :
العرض : أن يعرض الله على عبده أعماله و
يقرّره عليها فيقر، دون مناقشة
الحساب : المناقشة، و من نوقش الحساب عُذب لا
محالة
عن ابن أبي مليكة أن عائشة كانت لا
تسمع شيئا لا تعرفه إلا راجعت فيه حتى تعرفه، و أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : من نوقش الحساب عُذب، قالت عائشة : فقلت : أو ليس يقول الله تعالى } فسوف يحاسب حسابا يسيرا {
قالت : فقال : إنما ذلك العرض، و لكن من نوقش الحساب يهلك [ خ / 1031 – م / 2876 ]
و يكون العرض و الحساب في :
النعم : هل أدى شكرها و حقّها
} ثم لتسألنّ يومئذ عن النعيم { [ التكاثر 8 ]
الأعمال : الأمر و النهي، هل فعل المأمور و
ترك المحظور
} فوربك لنسألنّهم أجمعين عما كانوا يعملون { [ الحجر 92 – 93 ] } فأما من أوتي كتابه بيمينه فسوف يحاسب حسابا يسيرا { [ الانشقاق 7 – 8 ]
عن عدي بن حاتم قال : قال رسول الله صلى
الله عليه وسلم : ما منكم من أحد إلا سيكلمه الله ليس بينه و بينه ترجمان، فينظر
أيمن منه فلا يرى إلا ما قدّم، و ينظر أشأم منه فلا يرى إلا ما قدّم، و ينظر بين
يديه فلا يرى إلا النار تلقاء وجهه، فاتقوا النار و لو بشق ثمرة [ خ / 7443 – م / 1016 ]
قال تعالى } و من أظلم ممن افترى على الله كذبا أولئك يعرضون على ربهم و
يقول الأشهاد هؤلاء الذين كذبوا على ربهم ألا لعنة الله على الظالمين { [ هود 18 ]
و قال } اليوم نختم على أفواههم و تكلمنا أيديهم و تشهد أرجلهم بما
كانوا يكسبون { [ يس 65 ]
و قال } و يوم يحشر أعداء الله إلى النار فهم يوزعون. حتى إذا ما جاءوها
و شهد عليهم سمعهم و أبصارهم و جلودهم بما كانوا يعملون . و قالوا لجلودهم لم
شهدتم علينا قالوا أنطقنا الله الذي أنطق كل شيء و هو خلقكم أوّل مرة و إليه
ترجعون. و ما كنتم تستترون أن يشهد عليكم سمعكم و لا أبصاركم و لا جلودكم و لكن
ظننتم أن الله لا يعلم كثيرا مما تعملون . و ذلكم ظنكم الذي ظننتم بربكم أرداكم
فأصبحتم من الخاسرين { [ فصلت 19 – 23 ]
يوزعون : يحبس أولهم على آخرهم، أي يجمع الأول و الآخر
تسترون : ما
كنتم تستخفون من أنفسكم و جوارحكم، فتتركوا المعاصي، لأن الإنسان لا يمكنه أن يخفي
شيئا عن نفسه، و قيل ما كنتم تتقون أن تشهد عليكم جوارحكم، فتتركوا المعاصي خشية
من شهادتها عليكم، و قيل ما كنتم تظنون أن تشهد عليكم جوارحكم
أرداكم : أتلفكم
عند ربّكم
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق