الأربعاء، 18 مارس 2020

النبوات وفضائل نبينا محمد صلى الله عليه وسلم 11


النبوات وفضائل نبينا محمد صلى الله عليه وسلم 11

✍بوعلام محمد بجاوي

الحديث الثاني :  أنا سيد ولد آدم يوم القيامة

وعن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أنا سيد ولد آدم يوم القيامة، وأول من ينشق عنه القبر، وأول شافع، وأول مشفع

*المسألة الأولى : سند الحديث

مسلم 3 - (2278) حدثني الحكم بن موسى أبو صالح حدثنا هِقْل - يعني ابن زياد - عن الأوزاعي [ عبد الرحمن بن عمرو ] حدثني أبو عمار [ شداد بن عبد الله القرشي ] حدثني عبد الله بن فروخ حدثني أبو هريرة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : أنا سيد ولد آدم [ يوم القيامة ] ، وأول من ينشق عنه القبر، وأول شافع وأول مشفع
و أبو داود (4673) حدثنا عمرو بن عثمان حدثنا الوليد [ بن مسلم ] عن الأوزاعي... ليس فيه ما بين [ ]

المسألة الثانية : متن الحديث

موضوع الحديث الخصائص التي اختصّ الله بها نبيه محمدا صلى الله عليه وسلم يوم القيامة، فقد تضمن أنه :
سيد ولد آدم يوم القيامة
أول من ينشقّ عنه القبر
أول شافع ومُشَفَّع
المعنى الأول : سيد ولد آدم يوم القيامة
قال  القرطبي : السيد : اسم فاعل، من ساد قومه، إذا تقدمهم بما فيه من خصال الكمال، وبما يوليهم من الإحسان والإفضال، وأصله: سَيْوِد [ على وزن فَيْعِل ] ، لأن: ألف ساد منقلبة عن واو، بدليل: أن مضارعه يسود، فقلبوا الواو ياء، وأدغموها في الياء، فقالوا: سيّد. وهذا كما فعلوا في : ميت [ مَيْوت ][1]
وقد تبين للعقل والعيان ما به كان محمد ـ صلى الله عليه وسلم ـ سيد نوع الإنسان.اهـ[2]
"يوم القيامة" في رواية هِقْل عن الأوزاعي، وهي رواية مسلم، ولم يذكرها الوليد عن الأوزاعي، وهي رواية أبي داود
و يشهد لها حديث : أبي هريرة، قال : أتي رسول الله صلى الله عليه وسلم يوما بلحم، فرفع إليه الذراع، وكانت تعجبه فنهس منها نهسة فقال : أنا سيد الناس يوم القيامة، وهل تدرون بم ذاك؟ يجمع الله يوم القيامة الأولين والآخرين في صعيد واحد...الحديث ويأتي الكلام عنه
وفيه :
السيادة : حصلت له بالشفاعة في أهل الموقف ليقضي الله قضاءه في عباده، فهو سيد لأنه الشافع المشفع يوم القيامة
أو أن السيادة : أوجبت له الشفاعة في أهل الموقف
و عطف الشفاعة على السيادة، في الحديث : من عطف السبب على المسبب أو العكس، فهما أمران منفصلان وإن كانا متلازمين.
ومن كانت له السيادة والأفضلية يوم القيامة، كانت له السيادة مطلقا في الدنيا والآخرة، فلا يستحق السيادة في الآخرة إلا من كان سيدا في الدنيا
فلا معنى لمن خصّ السيادة بالشفاعة يوم القيامة ليدفع الأحاديث التي فيها نهيه صلى الله عليه وسلم عن تفضيله عن يونس و موسى عليهما السلام، وقوله : خير البرية إبراهيم عليه السلام، ويأتي الجواب عنها
قال الخطابي أبو سليمان حمد بن محمد ( ت : 388 ) : وقد قيل إن قوله "أنا سيد ولد آدم" : إنما أراد به يوم القيامة حين قُدّم بالشفاعة وسادهم بها.اهـ[3]
ووجه تخصيص السيادة بـ "يوم القيامة" أنه فيه يرتفع دعوى السيادة، عند طلب أهل الموقف للشفاعة،  فينفيها الكل عن نفسه، ويقول : نفسي نفسي إلا النبي محمدا صلى الله عليه وسلم، كما في قوله تعالى بعد إفناء الخلائق } لمن الملك اليوم . لله الواحد القهار { [ غافر : 16 ] و الملك لله دائما وأبدا، ولكن حتى الدعوة الكاذبة التي كانت في الدنيا انقطعت بإفناء الله للخلق، وكذلك السيادة، فقد يدعي السيادة في الدنيا أحد أو يدعيها له غيره، لكن يوم القيامة لن يدعيها أحد لنفسه أو لغيره فيطلب من الله الشفاعة في تعجيل الحساب
قال القاضي عياض بن موسى أبو الفضل ( ت : 544 ) : قيل : السيد الذى يفوق قومه، والذى يفزع إليه في الشدائد هو سيدهم صلى الله عليه وسلم في الدنيا والآخرة، لكن خصص القيامة لارتفاع دعوى السؤدد فيها، وتسليم الكل له ذلك، وكون آدم ومن ولد تحت لوائه، كما قال تعالى } لمن الملك اليوم لله الواحد القهار {  [ غافر : 16 ] أي انقطعت دعاوى الدعاة في الملك ذلك اليوم، وبقى الملك الحق لله وحده، الذي قهر جميع الجبابرة والمدعين الملك وأفناهم، ثم أعادهم وحشرهم عراة فقراء إليه .اهـ[4]
أحاديث ظاهرها يخالف الحديث :
الحديث الأول : نهيه عن وصفه بالسيد، وأن السيد هو الله عز وجلّ
أبو داود (4806) حدثنا مسدد [ بن مسرهد ] حدثنا بشر - يعني ابن المفضل - حدثنا أبو مسلمة سعيد بن يزيد، عن أبي نضرة، عن مطرف [ بن عبد الله بن الشخير ] قال : قال أبي : انطلقت في وفد بني عامر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقلنا : أنت سيدنا، فقال : السيد الله
قلنا: وأفضلنا فضلا، وأعظمنا طولا، فقال : قولوا بقولكم، أو بعض قولكم، ولا يستجرينكم الشيطان
وأخرجه النسائي في الكبرى (10005)[5] أخبرنا حميد بن مسعدة عن بشر بن المفضل حدثنا أبو مسلمة
و (10004) أخبرنا حرمي بن يونس بن محمد حدثنا أبي حدثنا مهدي بن ميمون عن غيلان بن جرير عن مطرف
سبب النهي :
أنهم حديثو عهد بالإسلام، و السيادة عندهم تكون بأسباب الدنيا من المال والسلطان، قاله الخطابي
قال الخطابي : قوله "السيد الله" يريد : أن السؤدد حقيقة لله عز وجل، وأن الخلق كلهم عبيد له، وإنما منعهم فيما نرى أن يدعوه سيدا مع قوله أنا سيد ولد آدم، وقوله لبني قريظة قوموا إلى سيدكم - يريد سعد بن معاذ[6] - :
من أجل أنهم قوم حديث عهدهم بالإسلام
وكانوا يحسبون أن السيادة بالنبوة كهي بأسباب الدنيا
وكان لهم رؤساء يعظمونهم وينقادون لأمرهم ويسمونهم السادات
فعلمهم الثناء عليه وأرشدهم إلى الأدب في ذلك. فقال قولوا بقولكم. يريد قولوا بقول أهل دينكم وملتكم وادعوني نبيا ورسولا  كما سماني الله عز وجل في كتابه فقال : يا أيها النبي، يا أيها الرسول، ولا تسموني سيدا كما تسمون رؤساءكم وعظماءكم ولا تجعلوني مثلهم، فإني لست كأحدهم إذ كانوا يسودونكم بأسباب الدنيا، وأنا أسودكم بالنبوة والرسالة فسموني نبيا ورسولا .اهـ[7]
والمعنى - والله أعلم - أن في حديث الباب بيانَ فضله لأمته – وهو من الدّين - لأنه من حقه عليهم، و مما أوجب الله تعالى على أمته تعظيم نبيه، لا أن يصفوه في حضرته وينادوه بسيدي وسيدنا كما في هذا الحديث - أو أن يتفاخروا به على باقي الأنبياء – كما يأتي في أحاديث –
ذكر الخطابي هذا المعنى في موضع آخر : وذلك أن قوله "أنا سيد ولد آدم" إنما هو إخبار عما أكرمه الله به من الفضل والسؤدد وتحدث بنعمة الله عليه، وإعلامٌ لأمته وأهل دعوته مكانه عند ربه ومحلّه من خصوصيته، ليكون إيمانهم بنبوته واعتقادهم لطاعته على حسب ذلك، وكان بيان هذا لأمته وإظهاره لهم من اللازم له والمفروض عليه .اهـ[8]
وقد يقال : إن من حقوق السيد عندهم – قبل إسلامهم – ما لا يليق إلا بالله، فناسب أن يقول "السيد الله" على اعتقادهم، ولعلّ هذا مراد الخطابي في كلامه الأول 

[1] ينظر : جمهرة اللغة لابن دريد 2 / 651 تهذيب اللغة 14 / 244 ، 15 / 463 النهاية في غريب الحديث 2 / 418
[2] المفهم 6 / 48
[3] معالم السنن 4 / 311 – الطبعة العلمية
[4] إكمال المعلم بفوائد مسلم 1 / 582 – 583
[5] طبعة : الرسالة
[6] عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه، قال: لما نزلت بنو قريظة على حكم سعد هو ابن معاذ، بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم وكان قريبا منه، فجاء على حمار، فلما دنا قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: قوموا إلى سيدكم، فجاء، فجلس إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال له : إن هؤلاء نزلوا على حكمك، قال: فإني أحكم أن تقتل المقاتلة، وأن تسبى الذرية، قال: لقد حكمت فيهم بحكم الملك. [ ج / 3043،4121،6262 – م / 1768 ]
[7] معالم السنن  4 / 112
[8] معالم السنن 4 / 310

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق