شرح تلقين القاضي عبد الوهاب 08
المسألة الثالثة : أنواع طهارة الحدث
قال القاضي : "و هي ثلاثة أنواع : وضوء و غسل و بدل منها عند تعذرهما و هو التيمم"
طهارة الحدث في الجملة نوعان :
أصل : و يدخل فيه الوضوء و الغسل، الوضوء للحدث الأصغر، و الغسل للحدث الأكبر
بدل : و هو التيمم عند تعذر الأصل وضوءا كان أو غسلا
و التعذر بأحد شيئين :
عدم الماء
أو تعذر استعماله لمرض أو العجز عن الوصول إليه
و مقصوده بـ "البدل" : في استباحة الصلاة، فالوضوء و الغسل يرفع الحدث أما التيمم عند الجمهور : المالكية و الشافعية و الحنابلة لا يرفع الحدث، و إنما يبيح فعل فريضة واحدة على أن يكون التيمم بعد دخول الوقت، و يأتي الكلام عن هذا في مبحث التيمم
و اعترض على "القاضي" استعمال لفظة " بدل " من وجهين :
الأول : التيمم عند تعذر الغسل و الوضوء، و شرط البدل أن يكون مع وجود المبدل منه، مثل المسح على الخفين يشرع و لو قدر على غسل رجليه
و أجاب عنه المازري أبو عبد الله محمد بن علي بن عمر ( 536 ) بـ :
1. التقييد المذكور لا دليل عليه
2. و لو سلم لكان استعماله من باب المجاز، و هو جائز
3. استعمال "القراء" و "أهل اللغة" له فيما لا يصح استعمال المبدل منه
قال : و قصارى ما قاله من تعقب عليه أنه خرج عن الحقيقة في تسميته بدلا، و هب أنّ الأمر كذلك، أيمنع من تسميته بدلا على جهة المجاز ؟ هذا ما لا يمكن أن يمنع منه... هذا لو سلمنا أن حقيقة البدل ما قاله هذا المتعقب، و كيف و اللفظة على نحو ما استعملها "القاضي أبو محمد"، ألا ترى أن القراء يقولون أبدل نافع من هذه الهمزة ألفا، و أبدل فلان من كذا حرف كذا، ويشيرون إلى حرف معدوم قد لا يجوز إظهاره، و ترجمة كتاب "القلب و الإبدال" لابن السكيت يغنيك عن هذا . اهـ[1]
و القاضي أضاف قيدا "عند تعذرهما"
الآخر : البدل له نفس أحكام المبدل منه، و عند المالكية – وعند الجمهور – لا يرفع الحدث كما ترفعه طهارة الماء
قال ابن يونس أبو بكر محمد بن عبد الله بن يونس الصقلي ( ت : 451 ) : و قال غيره [ القاضي ] : لا أقول أن التيمم بدل منهما، و إنما أقول : أنها عبادة مستأنفة وليس بدل، لأن البدل يقوم مقام المبدل منه في كل الأحوال، والتيمم لا يقوم مقام الطهارة بالماء في كل الأحوال، لأنه لا يرقع الحدث رأساً، ولا يصلى به صلاتين .اهـ[2]
لا يصلى به صلاتين فرع عن الأول "لايرفع الحدث"
المسألة الرابعة : مواضع الوضوء
قال القاضي" فأما الوضوء : ففي ثمانية مواضع و هي : الوجه، و داخل الفم، و داخل الأنف، و ما بين الصدغ و الأذن، و اليدان إلى آخر المرفقين، و الرأس، و الأذنان ظاهرهما و باطنهما، و الرجلان إلى آخر الكعبين "
المواضع :
منها ما هو ثابت بالقرآن، و هي : الوجه، اليدان، الرأس، الرجلان
و منها ما هو ثابت بالسنة و هي : داخل الفم، داخل الأنف، الأذنان
و حتى على القول بأن داخل الفم و الأنف من الوجه، و الأذنان من الرأس أو الوجه، أو الظاهر من الرأس و الباطن من الوجه – كم يأتي في موضعه – فإنما علم ذلك بالسنة
مجموعها سبعة مواضع، و زاد البياض – لا ينبت عليه الشعر – الذي بين الصدغ و الأذن، بناء على أنه ليس من الوجه
لكن إذا لم يكن من الوجه، فلماذا يغسل، و يأتي أنه ذكر غسله في السنن، فالاستحباب حكم شرعي و الأحكام الشرعية لا تثبت إلا بدليل
و الصحيح أن البياض الذي بين الصدغ و الأذن من الوجه أي لا يتم غسل الوجه إلا بغسله، و يأتي بيانه في تفصيل القول في الوجه و بيان حدوده
و هذه المواضع منها ما محل الفرض العضو كله اتفاقا كـ "الوجه" – لكن اختلف في حدّه – أو بعضه اتفاقا كـ "اليدين" و "الرجلين" إلى المرفقين و الكعبين، أو مختلف فيه كـ "الرأس"
و في "السنن" حكى الخلاف في مسح باطن الأذن "ومسح داخل الأذنين، و في ظاهرهما خلاف"
و مما أنكر على القاضي : عدم ذكر الكفين
ذكره المازري : لم استوفى جميع أعضاء الوضوء المسنون منها و المفروض دون غسل اليدين فلم يعدهما مع جملة هذه الأعضاء ؟ . اهـ[3]
و أجاب عنه بثلاثة أجوبة[4]
الجواب الأول : اقتصر على المفروض والمسنون، وغسل الكفين ليس من الفرائض اتفاقا، ولا من السنن عند بعض المالكية[5]
الجواب الثاني : ابتدأ بالوجه للآية، ثم ذكر من السنن ما كان تابعا للفرض، الأنف تابع للوجه، والأذنان تابعان للرأس
قال : والثاني : أن يقال إنما اختار أن يبدأ بما بدأ الله تعالى به وهو الوجه، فلما حصل له هذا الذي اختاره وعرض فيه ما يعد من السنن عدّه فأضافه إليه على جهة التبع. لا سيما والذي عدّه من ذلك مع الوجه من الناس من يذهب إلى أنه فرض، وأنه من جملة أجزاء الوجه. وكذلك الأذنان قد قيل فيهما أنهما من أجزاء الرأس المفروض، فحسن عند ذلك مع جملة الفروض .اهـ[6]
الجواب الثالث : ابتدأ بالوجه لحديث ابن عباس في وصف وضوء النبي صلى الله عليه وسلم
قال : والثالث : أن يقال قد خرج في الصحيح أن ابن عباس وصف وضوء النبي عليه السلام فابتدأ بذكر الوجه، فاتبع القاضي أبو محمد في وصفه وصف ابن عباس t في هذا الحديث .اهـ[7]
و مقصود القاضي بيان المواضع مرتبة بغض النظر عن نوع الطهارة غسل أو مسح أو حكمها كان فرضا أو سنة أو فضيلة، و الكفان يغسلان عند ابتداء الوضوء استحبابا و مع اليدين إلى المرفقين وجوبا، فلا معنى لإفرادهما، فهما داخلان في غسل اليدين إلى المرفقين، و ما ذكره من أنه اقتصر على الفرائض والسنن – وهو الجواب الأول – ينافي الإطلاق، وينافي عدّ القاضي غسل الكفين في السنن، والجواب الثاني والثالث كل ما فيه توجيه البدء بالوجه، و لا يمنع من ذكر الكفين آخرا
ويحتمل أنه لا يرى غسل الكفين في أول الوضوء من أفعال الوضوء، بل هما لتنظيف اليد، والله أعلم
الهــــــــــوامـــش
[1] شرح التلقين 1 / 123
[2] الجامع لمسائل المدونة 1 / 18 - 19
[3] شرح التلقين 1 / 124
[4] شرح التلقين 1 / 124
[5] شرح التلقين 1 / 124
[6] شرح التلقين 1 / 124
[7] شرح التلقين 1 / 124
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق