الأربعاء، 3 يوليو 2019

شرح نصيحة المعلمي لأهل العلم 09

شرح نصيحة المعلمي 09
شرح نصيحة المعلمي لأهل العلم
09

بوعلام محمد بجاوي

و هذا تأويل بعيد لأنه أضاف القتل إلى "الفئة الباغية" لا إلى "الله" ، و هذا يمنع من صرف القتل عن ظاهره 
و عليه يمتنع حمل "الفئة الباغية" على "مشركي مكة" لأنهم لم يقتلوه، و يصير الحديث بلا فائدة 

و جواب "عياض" و "ابن حجر" هو المتعيّـن في "مثل هذه القضايا"، الجمع بين "التخطئة" و "الاعتذار" فليس من شرط الفاضل ألا يخطئ 

و اكتفى "أحمد بن حنبل" بالإشارة، و كره التصريح 

قال ابن رجب عبدالرحمن بن أحمد بن رجب ( ت : 795 ) : قال يعقوب بن شيبة الدسوسي ( ت : 262 ) في "مسند عمار" من "مسنده" : سمعت أحمد بن حنبل ( ت : 241 ) سئل عن حديث النبي صلى الله عليه وسلم في عمار "تقتلك الفئة الباغية" ؟ 

فقال أحمد : كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : قتلته الفئة الباغية 

و قال : في هذا غير حديث صحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم، و كره أن يتكلم في هذا بأكثر من هذا .اهـ[1]

ثم قال ابن رجب : و قد فسّر الحسن [ بن أبي الحسن يسار ] البصري ( ت : 110 ) الفئة الباغية بـ : أهل الشام : "معاوية" [ رضي الله عنه ] و أصحابه. 

و قال أحمد : لا أتكلّم في هذا، السكوت عنه أسلم .اهـ[2]

و لا شكّ أن الكلام لأجل الحكم بين الطائفتين لا معنى له، و لا فائدة منه، و إذا كان كذلك فأصله المنع و التحريم، و إنما يجوز للحاجة، "الرد على المخالف" من "الروافض" و "النواصب"، أو استفادة الدروس من "الفتنة الكبرى" إذا كان الـمخاطَب ممن لا يخشى عليه الفتنة 

قال أبو عبد البر بوعلام محمد بجاوي : ذكرت هذا المثال لأني سمعت أحد الرافضة يحتج على كبير في العلم بهذا الحديث فاكتفى بالثناء على معاوية و من كان في صفه، و لم يجب عن الحديث 

و يستفاد من الحديث أن تجاوز الحد – و هو تعريف البغي – عن تأويل من فاضل يسمى "بغيا" و يسمى فاعله "باغيا" و إن كان معذورا لصدوره عن تأويل فلا منافاة بين الوصف بـ "البغي" و الخطأ في الاجتهاد 
قال ابن تيمية أبو العباس أحمد بن عبد الحليم ( ت : 728 ) : و عامة ما تنازعت فيه فرقة المؤمنين من مسائل الأصول و غيرها في باب "الصفات" و "القدر" و "الإمامة" و غير ذلك هو من هذا الباب، فيه : 
1 / المجتهد المصيب 
2 / و فيه المجتهد المخطئ، و يكون المخطئ باغيا 
3 / و فيه الباغي من غير اجتهاد 
4 / و فيه المقصر فيما أمر به من الصبر .اهـ[3]
و قال : و إذا وصف النبي صلى الله عليه وسلم طائفة بأنها "باغية"، سواء كان ذلك بتأويل أو بغير تأويل لم يكن ... .اهـ[4]
فليس في الحديث إلا تصويب عليّ رضي الله عنه و من كان في صفه، و تخطئة معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنه و من كان في صفه 
و مَن أفضل من أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم، فلو جازت التهمة عليهم ما سلم منها أحد، و الكلام في الفتنة التي كانت زمن الصحابة في غير دفع حقد المجوس على الإسلام قلّة حياء بل عدم حياء، فلو كان لرجل مائة حسنة و له سيئة واحدة تحتمل أن تكون عن غير قصد أي لظنه لها حسنة، لحملها أهل الحياء كلهم على ظن الحسنة، هذا مع أنه غير مطالب بأن يكون معصوما لا يصدر منه سيئة 
ولهذا نهينا عن اتباع "زلّة العالم"، ومن أسباب الزلل في كلام أهل العلم ترك النظر في المقاصد، وهذا هو سبب "الفتنة الكبرى"، فمن طلب بـ "دم عثمان" لم ينظر للمقاصد 
قال الشاطبي إبراهيم بن موسى ( ت : 790 ) : و في هذا الموطن حذر من "زلّة العالم"، فإنه جاء في بعض الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم التحذير منها...و أكثر ما تكون عند الغفلة عن اعتبار مقاصد الشارع في ذلك المعنى الذى اجتهد فيه، و الوقوف دون أقصى المبالغة في البحث عن النصوص فيها، و هو و إن كان على غير قصدٍ و لا تعمدٍ، وصاحبه معذور و مأجور، لكن مما ينبني عليه في الاتباع لقوله [ تقليد العامة لزلّته ] فيه خطر عظيم .اهـ[5]
[1] فتح الباري 3 / 310
[2] فتح الباري 3 / 310 – 311
[3] الاستقامة 1 / 37
[4] الاستقامة 1 / 36
[5] الموافقات 5 / 132 ، 135 – 136

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق