النبوات وفضائل نبينا محمد صلى الله عليه وسلم 03
وعرّف الله
أمة محمد صلى الله عليه وسلم فضل نبيه الذي أرسله إليهم بما أثنى عليه من أوصاف
تُغنيه عن ثناء المخلوق، فقال في حقه :
} وإنك
لعلى خلق عظيم
{ [ القلم 4 ] وهذا ثناء عام، و أن أخلاقه كلها
عظيمة
قال السمعاني أبو المظفر منصور بن محمد ( ت : 489 ) : أي : على الخُلق الذي أدّبك الله به مما نزل به القرآن من الإحسان إلى الناس، والعفو، والتجاوز، وصلة الأرحام، وإعطاء النصفة، والأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر، وما أشبه ذلك.
وفي حديث سعد بن هشام أنه سأل
عائشة - رضي الله عنها - عن خلق النبي فقالت :
كان خلقه القرآن [ م / 139 - (746) ]
أي: كان موافقا لما نزل به
القرآن.
وفي رواية
أنها قالت : لم يكن رسول الله [ صلى الله عليه وسلم ] فحاشا ولا متفحشا [ خ / 3559 ، 3759 ، 6029 ، 6035- م / 2321 وفيها : وقال رسول الله صلى الله
عليه وسلم : "إن من أخيركم أحسنكم خلقا" من طرق عن الأعمش عن أبي وائل شقيق بن سلمة عن مسروق بن الأجدع عن عبد
الله بن عمرو ]، ولا يجزئ السيئة بمثلها، ولكن يعفو ويصفح [ ت / 2016 من طريق آخر وفيه زيادة : ولا صخابا في الأسواق. و
عن أنس بن مالك : لم
يكن رسول الله فاحشا، ولا لعانا، ولا
سبابا، كان يقول عند الـمَعْتَبة : ما له، تَرِب جبينه خ / 6031 ، 6046 ]
وقال السدي [ أبو محمد إسماعيل بن عبد الرحمن ( ت : 127 ) ] : } وإنك
لعلى خلق عظيم
{ أي : على الإسلام.
وقال زيد
بن أسلم ( ت : 136 ) : على
دين عظيم، وهو الدين الذي رضيه الله تعالى لهذه الأمة، وهو أحب الأديان إلى الله
تعالى .اهـ[1]
وقال تعالى } لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ
عَلَيْهِ مَاعَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ { [ التوبة 128 ]
قال السمعاني
: وقوله } عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَاعَنِتُّمْ { أي : شديد عليه عنتكم، والعنت: هو المكروه ولقاء
الشدّه، كأنه قال : شديد عليه ما يضركم ويهلككم، وهو الكفر الذي أنتم عليه.
وقوله تعالى } حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ { الحرص : شدّة طلب الشيء، ومعناه : حريص على إيمانكم
} بِالْمُؤْمِنِينَ
رَءُوفٌ رَحِيمٌ { عطوف
رفيق.
وقد أعطاه
الله تعالى في هذه الآية اسمين من أسمائه [ الرؤوف ، الرحيم ]، وهو في نهاية
الكرامه .اهـ[2]
وقال } فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ
كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ
وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ
عَلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ { [ آل عمران 159 ]
قال أبو
محمد مكي بن أبي طالب ( ت : 437 ) : هذا
خطاب للنبي صلى الله عليه وسلم، والمعنى : فبرحمة من الله لنت للمؤمنين حتى آمنوا
بك، فسهّلت عليهم الأمر، وبينت لهم الحجج، وحسّنت خلقك، وصبرت على الأذى
} وَلَوْ
كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ { أي
: لتركوك
} فَاعْفُ عَنْهُمْ { أي
: تجاوز عنهم، واصفح فيما نالك منهم
ثم قال } وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ { أي : اُدع لهم بالمغفرة
وقوله } وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ { أَمَر
الله تعالى نبيه صلى الله عليه وسلم أن يشاور أصحابه عند الحرب ولقاء العدو، وتطييبا
لأنفسهم، وتأليفاً لهم على دينهم .اهـ[3]
ولهذا كان حبه
بل تقديم حبه على حب غيره من الإيمان
قال تعالى } قُلْ إِنْ كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ
وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا
وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُمْ
مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُوا حَتَّى يَأْتِيَ
اللَّهُ بِأَمْرِهِ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ {[ التوبة 24 ]
قال البخاري أبو عبد الله
محمد بن إسماعيل ( ت : 256 ) :
باب:
حب الرسول صلى الله عليه وسلم من الإيمان
(
14 ) حدثنا أبو اليمان [ الحكم بن نافع
] قال أخبرنا شعيب [ بن أبي حمزة ] قال حدثنا أبو الزناد [ عبد الله بن ذكوان ] عن
الأعرج [ عبد الرحمن بن هرمز ] عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله
عليه وسلم قال : فوالذي نفسي بيده، لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من والده وولده
( 15 ) حدثنا يعقوب بن إبراهيم [ الدورقي ] قال حدثنا [ إسماعيل ] ابن علية عن عبد العزيز بن صهيب عن أنس عن النبي صلى الله عليه وسلم ( ح
)
وحدثنا آدم [ بن أبي إياس ] قال حدثنا شعبة [ بن الحجاج
] عن قتادة [ بن دعامة ] عن أنس قال : قال النبي صلى الله عليه وسلم: لا
يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من والده وولده والناس أجمعين [ و أخرجه مسلم من
طريق ابن علية و عبد الوارث عن عبد العزيز، و من طريق غندر محمد بن جعفر عن شعبة 69 ، 70- (44) ]
و أخرج في باب
: كيف كانت يمين [ قسم ] النبي صلى الله عليه وسلم
( 6632
) حدثنا يحيى بن سليمان قال حدثني ابن وهب قال أخبرني حيوة قال حدثني أبو
عقيل زهرة بن معبد أنه سمع جده عبد الله بن هشام، قال : كنا مع النبي صلى الله
عليه وسلم وهو آخذ بيد عمر بن الخطاب، فقال له عمر: يا رسول الله، لأنت أحب إلي
من كل شيء إلا من نفسي.
فقال النبي صلى الله عليه وسلم : لا،
والذي نفسي بيده، حتى أكون أحب إليك من نفسك.
فقال له عمر : فإنه الآن، والله، لأنت أحب إلي من نفسي.
فقال النبي صلى الله عليه وسلم : الآن
يا عمر.
قال ابن رجب عبد الرحمن بن أحمد ( ت : 795
) : محبّة النبي صلى الله عليه وسلم من أصول
الإيمان وهي مقارنة لمحبة الله عزّ وجلّ، وقد قرنها الله بها، وتوعد من قدم عليها
شيء من الأمور المحبوبة طبعا من الأقارب والأموال والأوطان وغير ذلك، فقال تعالى :
} قُلْ إِنْ كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ
وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا
وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُمْ
مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُوا حَتَّى يَأْتِيَ
اللَّهُ بِأَمْرِهِ { [ التوبة 24 ]
ولما قال عمر للنبي صلى الله عليه وسلم : أنت أحب إلي من كل شيء إلا من نفسي فقال : لا يا عمر حتى أكون أحب
إليك من نفسك. فقال عمر: والله أنت الآن
أحب إلي من نفسي، قال : الآن يا عمر.
فيجب
تقديم محبة الرسول صلى الله عليه وسلم على النفوس والأولاد والأقارب والأهلين
والأموال والمساكين، وغير ذلك مما يحبه الناس غاية المحبة .اهـ[4]
فما بنا من نعمة فبسببه :
*لأن كل نعمة فرعٌ عن
نعمة الإسلام :
فهو النعمة التي بها الخلاص في الحياة الأبدية، ولا خير في نعيم يعقبه عذاب وخزي
دائمان غير منقطعين
*ولأن الإسلام فيه بيان
المصالح بالأمر بها، و المفاسد بالنهي عنها : و كثير من المصالح
والمفاسد لا تدرك بالعقول، إما :
لعجز العقول
عن تعقّلها.
أو لسبق
الشهوة إليها، فتحجب العقل عن العمل أو تؤثر في عمله فتنحرف به إلى الشهوة.
فالناس بين
عاقل أخطأ الطريق، أو مستسلم للشهوات لا يُعْمِل عقله
وأسعد الناس
في الدنيا المستسلم للإسلام عقيدة و عملا وتركا، ومحمد صلى الله عليه وسلم به
عرفنا الإسلام، فصلى الله عليه وسلم، وبلغه الدرجة العليا التي لا ينالها إلا عبد
واحد من عباد الله
مسلم
: 11 - ( 384 ) حدثنا محمد بن سلمة المرادي حدثنا
عبد الله بن وهب عن حيوة وسعيد بن أبي أيوب وغيرهما عن كعب بن علقمة عن عبد الرحمن
بن جبير عن عبد الله بن عمرو بن العاص، أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول :
إذا سمعتم المؤذن، فقولوا مثل ما يقول ثم صلوا علي، فإنه من صلى علي صلاة
صلى الله عليه بها عشرا، ثم سلوا الله لي الوسيلة، فإنها منزلة في الجنة، لا تنبغي
إلا لعبد من عباد الله، وأرجو أن أكون أنا هو، فمن سأل لي الوسيلة حلت له الشفاعة.
قال الشافعي محمد بن إدريس (
ت : 204 ) : فصلىّ الله على نبينا محمد كلما
ذكره الذاكرون، وغفل عن ذكره الغافلون، وصلى الله عليه في الأولين والآخرين أفضل
وأكثر وأزكى ما صلى على أحد من خلقه، وزكّانا وإياكم بالصلاة عليه أفضل ما زكىّ
أحدا من أمته بصلاته عليه، والسلام عليه ورحمة الله وبركاته، وجزاه الله عنّا أفضل
ما جزى مرسلا عن من أرسل إليه، فإنه أنقذنا به من الهلكة، وجعلنا في خير أمة أخرجت
للناس، دائنين بدينه الذي ارتضى، واصطفى به ملائكته ومن أنعم به عليه من خلقه. فلم
تمس بنا نعمة ظهرت ولا بطنت، نلنا بها حظا في دين ودنيا أو دُفع بها عنا مكروه
فيهما وفي واحد منهما إلا ومحمد صلى الله عليه سببها، القائد إلى خيرها، والهادي
إلى رشدها، الذائد عن الهلكة وموارد السوء في خلاف الرشد، المنبّه للأسباب التي
تورد الهلكة، القائم بالنصيحة في الإرشاد والإنذار فيها، فصلىّ الله على محمد وعلى
آل محمد كما صلى على إبراهيم وآل إبراهيم إنه حميد مجيد..اهـ[5]
[1] تفسير القرآن 6 / 18
[2] تفسير القرآن 2 / 362 – 363
[3] الهداية إلى بلوغ النهاية في
علم معاني القرآن وتفسيره، وأحكامه، وجمل من فنون علومه 2 / 1160 – 1161
[4] فتح الباري
شرح صحيح البخاري 1 / 48 – 49
[5] الرسالة 1 / 5 -
الأم
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق