السبت، 1 ديسمبر 2018

تعريف السنة 2

تعريف السنة 2
تعريف السنة
2 

بوعلام محمد بجاوي
لفظ "السنة" في القرآن :
لفظ "السنة" في القرآن جاء في تسعة مواضع و تكرّر ذكرها في ثلاثة مواضع، في موضعين منها ذكرت مرتين، و موضع آخر ثلاث مرات، فيكون المجموع ثلاث عشرة مرة، في ثلاثة مواضع منها مضافا إلى "الأولين" و في أربعة مواضع أخر لـ "لله" تعالى، و في موضع في أوله أضيفت لـ "الرسل السابقين" و في آخرها لـ "الضمير العائد لله تعالى"، وفي آخر في أوله لـ "الأولين" ثم لـ "لله" مرتين 
و كتبت في ثلاثة مواضع بتاء مفتوحة، وفي أحد هذه المواضع تكررت ثلاث مرات كلها بتاء مفتوحة 
أولا : إضافة السنن للأمم السابقة 
الموضع الأول : قال تعالى { كَذَلِكَ نَسْلُكُهُ فِي قُلُوبِ الْمُجْرِمِينَ * لَا يُؤْمِنُونَ بِهِ وَقَدْ خَلَتْ سُنَّةُ الْأَوَّلِينَ[ الحجر : 13 ] 
قال الطبري أبو جعفر محمد بن جرير ( ت : 310 ) : يقول – تعالى ذكره – : لا يؤمن بهذا القرآن قومك الذين سلكت في قلوبهم التكذيب، { حتى يروا العذاب الأليم[ يونس : 88 ] أخذا منهم سنة أسلافهم من المشركين قبلهم من قوم عاد، وثمود، وضربائهم من الأمم التي كذبت رسلها، فلم تؤمن بما جاءها من عند الله حتى حل بها سخط الله فهلكت. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل .اهـ[1]
أي سيرة من قبلهم من الأمم المغضوب عليها، و هو قول الزجاج أبي إسحاق إبراهيم بن السري ( ت : 311 ) : أي وقد مضَت سنة الأولين بمثل ما فعله هؤلاء، فهم يقتفون آثارهم في الكفر .اهـ[2]
لكنه – الطبري – قال بعد ذلك : ذكر من قال ذلك : حدثنا بشر قال "ثنا" يزيد قال "ثنا" سعيد عن قتادة قوله { كذلك نسلكه في قلوب المجرمين. لا يؤمنون به وقد خلت سنة الأولين } : وقائع الله فيمن خلا قبلكم من الأمم
ظاهره : سنة الله في الأمم السابقة و هي العذاب 
قال ابن أبي زمنين أبو عبد الله محمد بن علي ( ت : 399 ) :  {وقد خلت سنة الأولين} يعني : وقائع الله في الأمم الخالية التي أهلكهم بها - يخوف المشركين بذلك .اهـ[3]
الخلاصة الآية محتملة :
السنة مضافة إلى الله تعالى : أي سنة الله في إهلاك المكذبين – و هو تفسير قتادة – 
السنة على ظاهر اللفظ {سنة الأولين} اللفظ مضافة إلى الأمم السابقة : أي لسنة الأولين في التكذيب بالرسل والآيات
قال أبو محمد مكي بن أبي طالب ( ت : 437 ) : { وَقَدْ خَلَتْ سُنَّةُ الأولين } : وقد خلت وقائع الله بمن خلا قبلهم من الأمم.
وقيل : المعنى : وقد تقدمت سنة الأولين في التكذيب بالآيات فهم يقتفون آثارهم .اهـ[4]
وقال الماوردي أبو الحسن علي بن محمد ( ت : 450 ) : فيه وجهان: 
أحدهما : قد خلت سنة الأولين بالعذاب لمن أقام على تكذيب الرسل. 
الثاني : بأن لا يؤمنوا برسلهم إذا عاندوا. 
ويحتمل ثالثا : بأن منهم مؤمنا وكافرا. 
كما يحتمل رابعا : من أقام على الكفر بالمعجزات بعد مجيء ما طَلَب من الآيات .اهـ[5]
الاحتمال الثاني والثالث والرابع في تفسير سيرة الأولين، والأقرب على القول بأن المقصدو سنة الأولين : الاستهزاء بالرسل لقوله {  وَمَا يَأْتِيهِمْ مِنْ رَسُولٍ إِلا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ[ الحجر : 11 ]
ونسب الرازي أبو عبد الله محمد بن عمر ( ت : 606 ) للزجاج – وسبق نقل كلامه وأنّه سنة الأولين في الكفر – : سنة الأولين : سنة الله في الأولين أنه يسلك ( يدخل ) الكفر في قلوبهم.
قال : أما قوله تعالى { وقد خلت سنة الأولين } ففيه قولان :
الأول : أنه تهديد لكفار مكة يقول قد مضت سنة الله بإهلاك من كذب الرسل في القرون الماضية. 
الثاني : – وهو قول الزجاج – : وقد مضت سنة الله في الأولين بأن يسلك الكفر والضلال في قلوبهم، وهذا أليق بظاهر اللفظ .اهـ[6]
و حمله محمد الطاهر ابن عاشور ( ت : 1393 ) على سنة إرسال الله الرسل، و المقصود " تجدد لهؤلاء إبلاغ القرآن على سنة إبلاغ الرسالات لمن قبلهم، وفيه تعريض بأن ذلك إعذار لهم ليحل بهم العذاب كما حل بمن قبلهم ".اهـ[7]
الموضع الثاني : قال تعالى { وَمَا مَنَعَ النَّاسَ أَنْ يُؤْمِنُوا إِذْ جَاءَهُمُ الْهُدَى وَيَسْتَغْفِرُوا رَبَّهُمْ إِلَّا أَنْ تَأْتِيَهُمْ سُنَّةُ الْأَوَّلِينَ أَوْ يَأْتِيَهُمُ الْعَذَابُ قُبُلًا } [ الكهف : 55 ]
قوله تعالى {تأتيهم} قرينة لفظية على أن المقصود سنة الله في الأولين، و هو إنزال العذاب على المكذبين المعاندين 
قال الطبري : يقول – عزّ ذكره – : وما منع هؤلاء المشركين يا محمد الإيمان بالله إذ جاءهم الهدى بيان الله، وعلموا صحة ما تدعوهم إليه وحقيقته، والاستغفار مما هم عليه مقيمون من شركهم، إلا مجيئهم سنتنا في أمثالهم من الأمم المكذبة رسلها قبلهم، أو إتيانهم العذاب قبلا .اهـ[8]
و حمله الزجاج على طلب أن تأتيهم سنة الأولين أي سنة الله وهي نزول العذاب[9]
و حمله الطاهر ابن عاشور على ظاهره : سيرة وطريقة الأولين : الكفر والعناد
قال : و {سنة الأولين} : طريقتهم في الكفر. وإضافة "سنة" إليهم تشبه إضافة المصدر إلى فاعله، أي السنة التي سنها الأولون. وإسناد منعهم من الإيمان إلى إتيان سنة الأولين استعارة.
والمعنى : ما منع الناس أن يؤمنوا إلا الذي منع الأولين قبلهم من عادة العناد والطغيان وطريقتهم في تكذيب الرسل والاستخفاف بهم. اهـ[10]
الموضع الثالث : قال تعالى { قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ يَنْتَهُوا يُغْفَرْ لَهُمْ مَا قَدْ سَلَفَ وَإِنْ يَعُودُوا فَقَدْ مَضَتْ سُنَّتُ الْأَوَّلِينَ[ الأنفال : 38 ]
المقصود : سنة الله في الأوّلين 
قال الطبري : يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم قل يا محمد للذين كفروا من مشركي قومك : إن ينتهوا عما هم عليه مقيمون من كفرهم بالله ورسوله وقتالك وقتال المؤمنين فينيبوا إلى الإيمان، يغفر الله لهم ما قد خلا ومضى من ذنوبهم قبل إيمانهم وإنابتهم إلى طاعة الله وطاعة رسوله بإيمانهم وتوبتهم. {وإن يعودوا} يقول : وإن يعد هؤلاء المشركون لقتالك بعد الوقعة التي أوقعتها بهم يوم بدر، فقد مضت سنتي في الأولين منهم ببدر ومن غيرهم من القرون الخالية إذ طغوا وكذبوا رسلي ولم يقبلوا نصحهم من إحلال عاجل النقم بهم، فأحل بهؤلاء إن عادوا لحربك وقتالك مثل الذين أحللت بهم. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل .اهـ[11]
الــــــــــــــــهامــــــــــش
[1] تفسير الطبري ( جامع البيان عن تفسير آي القرآن ) 14 / 20 
[2] معاني القرآن 3 / 174 
[3] تفسير ابن أبي زمنين 2 / 381 
[4] الهداية إلى بلوغ النهاية في علم معاني القرآن وتفسيره، وأحكامه، وجمل من فنون علومه 6 / 3867 - 3868
[5] النكت والعيون 3/ 150
[6] مفاتيح الغيب ( تفسير الرازي ) 19 / 127 
[7] التحرير والتنوير ( تفسير محمد الطاهر بن عاشور ) 14 / 24 
[8] تفسير الطبري 15 / 300 
[9] معاني القرآن 3 / 296 
[10] التحرير و التنوير 15 / 350 
[11] تفسير الطبري 11 / 176 – 177 


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق