تعريف السنة 3
ثانيا : في أول الآية إلى الرسل أو الأولين و في آخرها إلى الله بالضمير أو الاسم الظاهر
الموضع الأول : قال تعالى { وإن كادوا ليستفزونك من الأرض ليخرجوك منها وإذا لا يلبثون خلافك إلا قليلا * سُنَّةَ مَنْ قَدْ أَرْسَلْنَا قَبْلَكَ مِنْ رُسُلِنَا وَلَا تَجِدُ لِسُنَّتِنَا تَحْوِيلًا }[ الإسراء :76 - 77 ]
قال الطبري : يقول تعالى ذكره : لو أخرجوك لم يلبثوا خلافك إلا قليلا، و لأهلكناهم بعذاب من عندنا، سنتنا فيمن قد أرسلنا قبلك من رسلنا، فإنا كذلك كنا نفعل بالأمم إذا أخرجت رسلها من بين أظهرهم، ونصبت السنة على الخروج من معنى قوله { لا يلبثون خلافك إلا قليلا } لأن معنى ذلك : لعذبناهم بعد قليل كسنتنا في أمم من أرسلنا قبلك من رسلنا، ولا تجد لسنتنا تحويلا عما جرت به .اهـ[1]
والمقصود : سنة الله فيمن أرسل قبلك
الموضع الثاني : قال تعالى { اسْتِكْبَارًا فِي الْأَرْضِ وَمَكْرَ السَّيِّئِ وَلَا يَحِيقُ الْمَكْرُ السَّيِّئُ إِلَّا بِأَهْلِهِ فَهَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا سُنَّتَ الْأَوَّلِينَ فَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّتِ اللَّهِ تَبْدِيلًا وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّتِ اللَّهِ تَحْوِيلًا } [ فاطر : 43 ]
قال ابن أبي زمين : { فهل ينظرون } ينتظرون { إلا سنة الأولين } أي : سنة الله في الأولين أنهم إذا كذبوا رسلهم أهلكهم { فلن تجد لسنت الله تبديلا } لا يبدل الله بها غيرها { ولن تجد لسنة الله تحويلا } أي : لا تحول، وأخر عذاب كفار آخر هذه الأمة إلى النفخة الأولى بالاستئصال، بها يكون هلاكهم، وقد عذب أوائل مشركي هذه الأمة بالسيف يوم بدر.اهـ[2]
ثالثا : إضافة السنة إلى الله تعالى لفظا
الموضع الأول : قال تعالى { مَا كَانَ عَلَى النَّبِيِّ مِنْ حَرَجٍ فِيمَا فَرَضَ اللَّهُ لَهُ سُنَّةَ اللَّهِ فِي الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلُ وَكَانَ أَمْرُ اللَّهِ قَدَرًا مَقْدُورًا } [ الأحزاب : 38 ]
المقصود : سنة الله فيما أحل لأنبيائه، أي أن سنة الله أنه لا حرج علي أنبيائه فيما أحلّ وفرض لهم، ولو كان مما يتحرج منه في عرف أقوامهم، وقيل المقصود بالأنبياء داود عليه السلام
قال ابن عطية أبو محمد عبد الحق بن غالب ( ت : 542 ) : هذه مخاطبة من الله تعالى لجميع الأمة، أعلمهم أنه لا حرج على رسول الله صلى الله عليه وسلم في نيل ما فرض الله له وأباحه من تزويج زينب بعد زيد، ثم أعلم أن هذا ونحوه هو السنن الأقدم في الأنبياء من أن ينالوا ما أحل الله لهم، وحكى الثعلبي عن مقاتل وابن الكلبي أن الإشارة إلى داود عليه السلام حيث جمع الله بينه وبين من فتن بها، وسُنَّةَ نصب على المصدر أو على إضمار فعل تقديره الزم أو نحوه. أو على الإغراء كأنه قال فعليه سنة الله، و { الذين خلوا } هم الأنبياء بدليل وصفهم بعد بقوله الذين يبلغون رسالات الله .اهـ[3]
الموضع الثاني : قال تعالى { مَلْعُونِينَ أَيْنَمَا ثُقِفُوا أُخِذُوا وَقُتِّلُوا تَقْتِيلًا * سُنَّةَ اللَّهِ فِي الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلُ وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلًا } [ الأحزاب : 62 ]
المقصود : سنة الله في المنافقين إذا أظهروا الكفر أنهم يقتلون
قال الطبري : سنة الله في الذين خلوا من قبلِ هؤلاء المنافقين الذين في مدينة رسول الله صلى الله عليه وسلم معه من ضرباء هؤلاء المنافقين [ أي الذين خلوا ] ، إذا هم أظهروا نفاقهم أن يقتلهم تقتيلا، ويلعنهم لعنا كثيرا، وبنحو الذي قولنا في ذلك قال أهل التأويل .اهـ[4]
الموضع الثالث : قال تعالى { فَلَمْ يَكُ يَنْفَعُهُمْ إِيمَانُهُمْ لَمَّا رَأَوْا بَأْسَنَا سُنَّتَ اللَّهِ الَّتِي قَدْ خَلَتْ فِي عِبَادِهِ وَخَسِرَ هُنَالِكَ الْكَافِرُونَ } [ غافر : 85 ]
الموضع الرابع : قال تعالى { وَلَوْ قَاتَلَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوَلَّوُا الْأَدْبَارَ ثُمَّ لَا يَجِدُونَ وَلِيًّا وَلَا نَصِيرًا * سُنَّةَ اللَّهِ الَّتِي قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلُ وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلًا } [ الفتح : 22 – 23 ]
فـ "السنة" في القرآن :العادة والطريقة، ومعظمها وجلها في معاملة الله للكافرين المعاندين إلا في موضع
السنة عند المحدثين :
السنة عند المحدثين : مرادفة للأخبار و الأحاديث و الآثار المروية عن النبي صلى الله عليه وسلم أو فيه من أوصاف وشمائل، فالسنة عندهم أعم من كونها دليلا شرعيا
و إفرادهم "السنة" بكتاب في "كتب السنن" كما هو الحال عند أبي داود سليمان بن الأشعث ( ت : 275 ) و ابن ماجه أبي عبد الله محمد بن يزيد القزويني ( ت : 273 )، أو بالتأليف كـ "السنة" التي يرويها عبد الله ( ت : 290 ) عن أبيه أحمد بن محمد بن حنبل ( ت : 241 ) ، فالمقصود ما يتعلق بـ "السنة"
*وجوب الاعتصام بها و ترك الابتداع
*ذكر بعض الفرق ذما و تنفيرا منها
و يخصون بالذكر "الجهمية" لأنهم أول من أحدث الطعن في السنن بدعوى معارضتها للعقل ثم تبعهم المعتزلة ومن سار على نفس الأصول و أظهر الاتباع لـ "السنة" لكنه في حقيقة الحال لا يختلف عنهم في كثير مما عطّلوا من السنن
*ذكر مسائل عقدية خالف فيها الجهمية ومن تبعهم
*تعديل الصحابة لأنهم نقلة "السنة" والطعن فيهم المقصودُ به الطعن في السنة والدّين
و في صحيح البخاري : كتاب : "الاعتصام بالكتاب والسنة" و كتاب : "أخبار الآحاد"
السنة عند الفقهاء الأصوليين :
الأصوليون و الفقهاء يستعملون لفظ "السنة" في موضعين
الموضع الأول : الأدلة
لا تختلف عن "السنة" عند المحدثين، إلا أن كلامهم في أحاديث الأحكام تقيّدا بموضوع علم أصول الفقه أو الفقه، و هو الأدلة الشرعية أو الأحكام الشرعية
قال الغزالي أبو حامد محمد بن محمد ( ت : 505 ) في كلامه عن المجتهد : وأما "السنة" : فلا بد من معرفة الأحاديث التي تتعلق بالأحكام، وهي وإن كانت زائدة على ألوف فهي محصورة وفيها التخفيفان المذكوران :
[ الأول ] : إلا يلزمه معرفة ما يتعلق من الأحاديث بالمواعظ وأحكام الآخرة وغيرها.
الثاني : لا يلزمه حفظها عن ظهر قلبه بل أن يكون عنده أصل مصحح لجميع الأحاديث المتعلقة بالأحكام .اهـ[5]
و هو نفس الكلام في "القرآن" و كلامه هذا معطوف عليه
قال : أما "كتاب الله عزّ وجلّ" فهو الأصل ولا بد من معرفته، ولنخفف عنه أمرين :
أحدهما : أنه لا يشترط معرفة جميع الكتاب بل ما تتعلق به الأحكام منه وهو مقدار خمسمائة آية.
الثاني : لا يشترط حفظها عن ظهر قلبه بل أن يكون عالما بمواضعها بحيث يطلب الآية المحتاج إليها في وقت الحاجة .اهـ[6]
فليس في كلامه تخصيص "السنة" بأحاديث الأحكام كما ليس في كلامه تخصيص "الكتاب" بآيات الأحكام
و الأحكام تستفاد من : أقواله صلى الله عليه وسلم و أفعاله – ومنها التروك – و إقراره و هو السكوت وعدم الإنكار
فتعرف السنة على هذا بـ : ما صدر من الرسول صلى الله عليه وسلم من الأقوال والأفعال والتقرير[7]
الموضع الآخر : الحكم الشرعي التكليفي
ومقصودهم : الندب والاستحباب
قال القاضي أبو محمد عبد الوهاب بن علي بن نصر المالكي ( ت : 422 ) في كلامه عن الأحكام: والندب : ما تتعلق الفضيلة بفعله ولا يتعلق العقاب بتركه، وهو مشارك للواجب في الوصف الأول ويباين له في الوصف الثاني، وله اعتبارات يقال : ندب ومستحب و مسنون وتطوّع وإرشاد ونفل وفضيلة ومرغب فيه، وأصل الندب في اللغة الدعاء إلى الشيء يقال : ندبته إلى كذا. اهـ[8]
ويقول الفقهاء: سنن الوضوء..، سنن الصلاة..لما يستحب ولا يجب
تنبيه : والفرق بين الأصوليين والفقهاء أن إطلاق الأصوليين في الكليات وإطلاق الفقهاء في الجزئيات
ففي الموضع الأول يتكلم الأصوليون عن دليل السنة على الأحكام جملة، و الفقهاء عن دليل السنة في مسألة أو حكم خاص كقولهم في حكم : و الدليل على وجوبه : الكتاب و السنة والإجماع
و في الموضع الآخر كذلك : مقصود الأصوليون أنواع أو أقسام الأحكام، و الفقهاء حكم خاص كقولهم التيامن في الوضوء سنة
الهامــــــــــش
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق