السبت، 17 نوفمبر 2018

تعريف السنة 1

التعريف بالسنة 1

تعريف السنة 1

بوعلام محمد بجاوي

بسم الله الرحمن الرحيم
السنة في اللغة : الطريقة والسيرة كانت حسنة أو قبيحة
قال الجوهري أبو نصر إسماعيل بن حماد ( ت : 393 ) : والسنة : السيرة. قال الهذلي [ خالد بن زهير ] :
فلا تجزعن من سنة أنت سرتها 🔔 فأول راض سنة من يسيرها[1] .اهـ[2]
قال ابن فارس أبو الحسين أحمد بن فارس ( ت : 395 ) : السين والنون : أصل واحد مطرد، وهو جريان الشيء واطراده في سهولة... ومما اشتق منه السنة، وهي السيرة. وسنة رسول الله عليه السلام: سيرته.
قال الهذلي: ...
وإنما سميت بذلك لأنها تجري جريا. اهـ[3]
وقال في "سير" : السين والياء والراء : أصل يدل على مضي وجريان، يقال سار يسير سيرا، وذلك يكون ليلا ونهارا. و السيرة : الطريقة في الشيء و السنة، لأنها تسير وتجري. يقال سارت، وسرتها أنا .اهـ[4]  
فلا يقال عن خصلة إنها سيرة الرجل حتى تكون عادته المطردة
ويدخل في سيرته صلى الله عليه وسلم :
عبادته : وهي تشريع للناس، إلا ما اُختصّ به دون أمته
وهي المقصودة في قول الصحابي " من السنة"
و دعوته : ويدخل فيه أمره ونهيه ووعظه وتذكيره و غزواته وكل ما له علاقة بالدعوة إلى الله 
و عادته، وهذه لا تشريع فيها وإن كان من أصحابه من كان يحرص على متابعته فيها، لكن يستفاد منها الجواز والإباحة تأكيدا للبراءة الأصلية
فقد اعتنى الصحابة بروايتها واعتنى اللاحقون بنقلها عنهم و المحدثون بتدوينها مع باقي السنن
ونقلوا أيضا صفاته الخِلقية و ما يتعلق به مما لا علاقة له بالتشريع قبل البعثة أو بعدها
و من استعمال النبي صلى الله عليه وسلم السنة في السيرة :
عن أنس بن مالك رضي الله عنه : جاء ثلاثة رهط إلى بيوت أزواج النبي صلى الله عليه وسلم يسألون عن عبادة النبي صلى الله عليه وسلم، فلما أخبروا كأنهم تقالّوها، فقالوا: وأين نحن من النبي صلى الله عليه وسلم ؟ قد غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر، قال أحدهم: أما أنا فإني أصلي الليل أبدا، وقال آخر: أنا أصوم الدهر ولا أفطر، وقال آخر: أنا أعتزل النساء فلا أتزوج أبدا، فجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم إليهم، فقال : أنتم الذين قلتم كذا وكذا، أما والله إني لأخشاكم لله وأتقاكم له، لكني أصوم وأفطر، وأصلي وأرقد، وأتزوج النساء، فمن رغب عن سنتي فليس مني [ خ / 5063 – م / 1401 ]
وقوله : لتتبعن سنن من قبلكم شبرا بشبر، و ذراعا بذراع، حتى لو سلكوا جحر ضب لسلكتموه، قلنا يا رسول الله، اليهود والنصارى ؟  قال : فمن [ خ / 3456 ، 7320 – م / 2669  من حديث أبي سعيد الخدري ]
أي سيرة من قبلكم، وهي سيرة مذمومة
والفعل من السنة : سنّ
والمقصود أنه فعل فعلا اقتدى به من بعده أو أمر باتخاذه سنة وسيرة إذا كان مُطاعا بالرضا أو بالغلبة
عن عن المنذر بن جرير عن أبيه قال : كنا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم في صدر النهار، قال : فجاءه قوم حفاة عراة مجتابي النمار أو العباء، متقلدي السيوف، عامتهم من مضر – بل كلهم من مضر – فتمعر وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم لما رأى بهم من الفاقة، فدخل ثم خرج، فأمر بلالا فأذن وأقام، فصلى ثم خطب فقال : } يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة { إلى آخر الآية، } إن الله كان عليكم رقيبا { [ النساء : 1 ] والآية التي في الحشر } اتقوا الله ولتنظر نفس ما قدمت لغد واتقوا الله { [ الحشر: 18] تصدق رجل من ديناره، من درهمه، من ثوبه، من صاع بره، من صاع تمره - حتى قال - ولو بشق تمرة، قال: فجاء رجل من الأنصار بصُرّة كادت كفه تعجز عنها، بل قد عجزت، قال : ثم تتابع الناس، حتى رأيت كومين من طعام وثياب، حتى رأيت وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم يتهلل، كأنه مذهبة، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من سن في الإسلام سنة حسنة، فله أجرها، وأجر من عمل بها بعده، من غير أن ينقص من أجورهم شيء، ومن سنّ في الإسلام سنة سيئة، كان عليه وزرها ووزر من عمل بها من بعده، من غير أن ينقص من أوزارهم شيء. [ م / 1017 ]
فهذا الرجل لم يأمر بالصدقة ولم يحدث شيئا، و إنما ابتدأ بالفعل الحسن المشروع فتابعه الناس عليه في ذلك المجلس
و منه قول عائشة رضي الله عنها في السعي بين الصفا والمروة : وقد سنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم الطواف بينهما، فليس لأحد أن يترك الطواف بينهما [ خ / 1643 – م / 1277 ]
فيحتمل فعله صلى الله عليه وسلم للسعي أو الأمر به مع الفعل
و عليه فسنة المصطفى صلى الله عليه وسلم سيرته و ما كان عليه من خصال و أفعال، فأهل السنة هم المتبعون للنبي صلى الله عليه وسلم في التزامه بشريعة ربه، لا مجرد اتباع ما كان عليه من اعتقاد، و أما حصر "السنة" في الاعتقاد كما في مؤلفات و تصانيف أهل العلم ( كتب السنة ) فلحصول الابتداع فيها فصار التزام "السنة" والسيرة النبويّة في باب العقائد شعار أهل الحق الذي يتميزون به عن الفرق المنحرفة من جهمية و معتزلة و كلابية وما تفرّع عنها، وبسبب ذلك تسموا بـ : أهل "السنة" لاتباعهم سنة وسيرة وطريقة ونهج النبي صلى الله عليه وسلم و لهذا يذكرون بعض المسائل العملية المجمع عليها لوجود المخالف فيها من أهل البدع كالمسح على الخفين
وعليه فلا يُستحق هذا الوصف و الاسم إلا من وافق سنة المصطفى صلى الله عليه وسلم في جميع أبواب الدين الاعتقادات و الأحكام و الأخلاق والآداب، أي الذي سلم في دينه من الشبه التي تصرفه عن الاعتقاد الحق، و من الشهوات التي تصرفه عن الطاعة
قال ابن رجب عبد الرحمن بن أحمد بن رجب الحنبلي ( ت : 795  ) في تفسير "السنة" عند السلف : و مراد هؤلاء الأئمة بـ "السنة" طريقة النبي صلى الله عليه وسلم التي كان عليها هو وأصحابه السالمة من الشبهات والشهوات، ولهذا كان الفضيل بن عياض ( ت : 187 ) يقول : أهل "السنة" من عرف ما يدخل في بطنه من حلال، و ذلك لأن أكل الحلال من أعظم خصائل السنة التي كان عليها النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه رضي الله عنهم، ثم صار في عرف كثير من العلماء المتأخرين من أهل الحديث وغيرهم "السنة" عبارة عما سلم من الشبهات في الاعتقادات خاصة في مسائل الإيمان بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر، وكذلك في مسائل القدر وفضائل الصحابة، وصنفوا في هذا العلم باسم "السنة" لأن خطره عظيم والمخالف فيه على شفا هلكة، وأما السنة الكاملة فهي الطريق السالمة من الشبهات والشهوات كما قال الحسن ويونس بن عبيد وسفيان والفضيل وغيرهم، ولهذا وصف أهلها بالغربة في آخر الزمان لقلتهم وغربتهم فيه .اهـ[5]


[1] المقصود من يعيب سيرة سلكها هو من قبلُ، و مراده بالبيت خاله
[2] الصحاح تاج اللغة وصحاح العربية 5 / 2139
[3] معجم مقاييس اللغة 3 / 60 – 60
[4] معجم مقاييس اللغة 3 / 120 – 121
[5] كشف الكربة في وصف حال أهل الغربة 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق