الرياض المزهرات في شرح البردة والمعلقات 03
✍بوعلام محمد بجاوي
كتب الأدب
قبل التعرض لمعنى "الأدب" لا بدّ من استقراء وتتبع مسائل الكتب المصنفة في "كتب الأدب"
قال ابن خلدون أبو زيد عبد الرحمن بن محمد ( ت : 808 ) : وسمعنا من شيوخنا في مجالس التّعليم أنّ أصول هذا الفنّ وأركانه أربعة دواوين وهي :
"أدب الكتاب" لـ ابن قتيبة [ أبي محمد عبد الله بن مسلم ( ت : 276 ) ]
وكتاب "الكامل" لـ : المبرّد [ أبي العباس محمد بن يزيد ( ت : 285 ) ]
وكتاب "البيان والتّبيين" لـ : الجاحظ [ أبي عثمان عمرو بن بحر ( ت :255 ) ]
وكتاب "النّوادر" لـ : أبي عليّ القالي البغداديّ [ إسماعيل بن القاسم ( ت : 356 ) ]
وما سوى هذه الأربعة فتبع لها وفروع عنها...
وقد ألّف القاضي أبو الفرج الأصبهاني [ علي بن الحسين ( ت : 356 ) ] كتابه في "الأغاني" جمع فيه أخبار العرب وأشعارهم وأنسابهم وأيّامهم ودولهم، وجعل مبناه على الغناء في المائة صوتا الّتي اختارها المغنّون للرّشيد، فاستوعب فيه ذلك أتمّ استيعاب وأوفاه، ولعمري إنّه ديوان العرب وجامع أشتات المحاسن الّتي سلفت لهم في كلّ فن من فنون الشّعر والتّأريخ والغناء وسائر الأحوال، ولا يعدل به كتاب في ذلك فيما نعلمه، وهو الغاية الّتي يسمو إليها الأديب ويقف عندها وأنّى له بها .اهـ[1]
أولا : البيان والتبين ( التبيين )
لـ الجاحظ أبي عثمان عمرو بن بحر ( ت :255 )
قال العسكري أبو هلال الحسن بن عبد الله ( ت : 395 ) : والكتب المصنّفة فيه – علم البلاغة، ومعرفة الفصاحة – قليلة.
*وكان أكبرها وأشهرها كتاب "البيان والتبيين" لـ أبي عثمان عمرو بن بحر الجاحظ
*وهو لعمري كثير الفوائد، جمّ المنافع، لما اشتمل عليه من الفصول الشريفة، والفِقر اللطيفة، والخطب الرائعة، والأخبار البارعة، وما حواه من أسماء الخطباء والبلغاء، وما نبّه عليه من مقاديرهم في البلاغة والخطابة، وغير ذلك من فنونه المختارة، ونعوته المستحسنة
*إلا أنّ الإبانة عن حدود البلاغة، وأقسام البيان والفصاحة مبثوثة في تضاعيفه، ومنتشرة في أثنائه، فهي ضالّة بين الأمثلة، لا توجد إلا بالتأمل الطويل، والتصفّح الكثير .اهـ[2]
تضمن كلامه : بيانا مجملا للكتاب ذكر فيه موضوعه ومنهجه
قال عبد السلام هارون : وهو كلام رجل قد خبر الكتاب ورازه، ولكنّه لم يشأ أن يرسم لنا صورة مفصّلة واضحة . اهـ[3]
ثم قال : إنّ دأب الجاحظ في تأليفه أن يرسل نفسه على سجيّتها، فهو لا يتقيّد بنظام محكم يترسّمه، و لا يلتزم نهجا مستقيما يحذوه، ولذلك تراه يبدأ الكلام في قضية من القضايا، ثم يدعها في أثناء ذلك ليدخل في قضيّة أخرى، ثم يعود إلى ما أسلف من قبل، وقد كانت هذه سبيل كثير من علماء دهره، كما أنّ علوّ سنّه و جدّة التأليف في تلك الأبحاث التي طرقها، كل أولئك كان شفيعا له في هذا الاسترسال والانطلاق.
و كان أبو عثمان [ الجاحظ ] يشعر بذلك و يعتذر عنه أحيانا، فهو يقول عند الكلام عن البيان : وكان في الحقّ أن يكون هذا الباب في أوّل هذا الكتاب، ولكنا أخّرناه لبعض التدبير[4] .اهـ[5]
المثال يحكي مسألة أخرى غير الاستطراد، وهي ترتيب مباحث الكتاب، يعدل عن الترتيب العقلي لعارض بدا له
فكان الأولى أن يصدّر الكتاب بباب "البيان" لا بـ "العي[6]" الذي هو ضدّه ثم "البيان"، من باب ذكر الموضوع الذي عليه مدار الكتاب – و الذي ترجم لكتابه به "البيان والتبين" – ثم ذكر الآفات التي تعتري آلته (اللسان)
و لم يبين الجاحظ سبب عُدوله عن تأخير الكلام عن "البيان" و تقديم "العيّ" عليه
وسبب ذلك – والله أعلم – أن البيان يكون باللسان فهو آلته، فاستحقّ الصدارة، والكلام عن اللسان يكون بذكر العيوب التي تعتريه
و مثال – ونقتصر على مثالين، مع الإشارة إلى مثال ثالث – الاستطراد الذي أشار إليه "عبد السلام هارون" :
المثال الأول في باب "العيّ"
ذكر فيه عيوب اللسان، ولما وصل إلى "السعلة والنحنحة" ذكر جملةً مما قيل فيهما
إلى أن قال : وقال بشر بن المعتمر [ المعتزلي ( ت : 210 ) ] في مثل ذلك :
وذلك أنه شهد ريسان أبا بجير بن ريسان [ هكذا ؟ ] يخطب. وقد شهدت أنا هذه الخطبة، ولم أر جبانا قط أجرأ منه، ولا جريئا قط أجبن منه .اهـ[9]
أي أن ذلك التتعتع والتنحنح الذي استنكره بشر بسب عارض الخوف لا عادة فيه
و مثل لذلك بـ "زيد بن جندب الإيادي"
قال بعده مباشرة : وقال الأشل الأزرقي - من بعض أخوال عمران بن حطان الصفري القعدي - في "زيد بن جندب الإيادي" خطيب الأزارقة[10]، وقد اجتمعا في بعض المحافل، فقال بعد ذلك الأشل البكري:
نحنح زيدٌ وسعـــــــــل ... لـما رأى وقع الأسل[11]
قال المبرد أبو العباس محمد بن يزيد ( ت : 285 ) : وقال رجل من الخوارج يصف خطيبا منهم بالجبن، وأنه مجيدٌ لولا أن الرعب أذهله :...وذكر البيتين.اهـ[14]
الـــــــــــــــهامش
[1] مقدمة التاريخ
[2] كتاب الصناعتين 4 - 5
[3] البيان والتبين ( مقدمة التحقيق ) 1 / 5
[4] البيان والتبين 1 / 88
[2] كتاب الصناعتين 4 - 5
[3] البيان والتبين ( مقدمة التحقيق ) 1 / 5
[4] البيان والتبين 1 / 88
[5] البيان والتبين ( مقدمة التحقيق ) 1 / 5
[6] "العي" : هو العجز عن البيان
[7] "جم" : كثير
[8] "مبهور" : انقطع نفسه من الإعياء
[9] البيان والتبين 1 / 41
[10] "الأزارقة" نسبة إلى أبي راشد نافع بن الأزرق ( قتل : 56 )، وهي فرقة من فرق الخوارج، وليس في الخوارج من هم أكثر منهم عددا و لا أقوى منهم شوكة. ينظر : الخوارج : تاريخهم و آراؤهم الاعتقادية و موقف الإسلام منها ص : 199
[11] "الأسل" : الرماح
[12] وَيْل أمُه
[13] البيان والتبين 1 / 41 – 42
[14] الكامل في اللغة والأدب 1 / 81
[15] بيانه في الرياض المزهرات 04
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق