✍بوعلام محمد بجاوي
سبب الاختلاف في عدده: أن الكون ليس فيه الجمال فقط، بل فيه الجمال
والقبح، والذين اقتصروا على سبب واحد نظروا إلى الجمال فقط
العقل:
وينسب إلى "أناكساغوراس": العقل هو الذي يخلق من عناصر لامتناهية، فأثبت عقلا أزليا – عرض
قائم بذاته –، ومع ذلك يتناقض وينسب
الأسباب إلى غيره
قال "أرسطو": بالإضافة إلى ذلك ليس من الصواب تجاهل هذا الموضوع وتركه
للعفوية أو للحظ[1]، ولذلك عندما قال شخص ما إن "العقل" موجود في الطبيعة مثلما يوجد في
الكائنات الحية، وهو المسؤول عن ترتيب ونظام الكون، بدا وكأنه شخص عاقل على النقيض
من التصريحات العشوائية لأسلافه، ومن الواضح أن "أناكساغوراس" قد اعتقد هذه الأفكار، ولكن "هيرموتيموس" من كلازوميناي كان قد
سبقه في تبني أفكارهم، هؤلاء المفكرون إذن الذين اعتقدوا هذا الرأي افترضوا مبدأ
في الأشياء وهو سبب الجمال، ونوع السبب الذي يتم من خلاله توصيل الحركة للأشياء .اهـ[2]
الحب والرغبة: ويرجعان إلى سبب واحد هو الحب
وهو قول"بارمينيديس"، وسبق أنه الوحيد في من قال إن المصدر واحد – بل الكون كله
واحد – ذكر المحرك مع العنصر المادي
قال "أرسطو": لم يقدم أي من أولئك الذين اتفقوا أن الكون هو وحدة أي تصور
لهذا النوع من السب، باستثناء "بارمينيديس"، وهو فقط الذي استطاع تحديد الأسباب على أنها ليست سببا واحد
فقط، ولكن بطريقة ما سببين اثنين .اهـ[3]
مقصوده بالسببين العنصر المادي والمحرك
قال "أرسطو": وقد يفترض أن "هسيودوس" ( 750 ق م – 650 ق م ) هو أول من بحث عن هذا الأمر، أو
ربما شخص آخر هو الذي وضع الحب والرغبة بوصفهما المبدأ للأشياء الموجودة
وقد قال "بارمنيديس" الشيء نفسه، ففي أثناء وصفه لخلق العالم، قال إن الحب هو أول شيء وضعته الآلهة، بينما قال
"هسيودوس": ظهرت الفوضى كأول شيء، ولكن
بعد ذلك ظهرت الأرض عريضة الصدر، وكذلك كان الحب الذي انبثق من بين الخالدين .اهـ[4]
الآلهة هي من وضعت السبب أو انبثق منها، فليس أزليا، و"أناكساغوراس" لم يذكر هل العقل أزلي أو
حادث
"بارمنديس" لم يذكر سبب الشر والفساد، لا يمكن أن يكون أصله الحب،
و"هسيودوس" لم يبين سبب ظهور الفوضى،
وليس في كلامه أن الحب هو المحرك بل كل ما فيه أنه انبثق من الآلهة، إلا أن يقال
ظهرت الفوضى ثم ظهر الحب الذي هو سبب النظام بعد الفوضى
الحب والصراع:
الحب سبب الخير والصراع أو الشقاق سبب الشر، وهو الذي فهمه أرسطو من كلام
"أمبادوقليس"
قال "أرسطو": ولكن لما كانت أضداد الأشياء الخيرة موجودة أيضا في الطبيعة،
وليس الموجود هو النظام والجمال فقط، بل هناك أيضا الفوضى والقبح، بل إن الأشياء
السيئة والمتدنية أكثر رقما من الأشياء الخيرة والجميلة، في ضوء هذا قدم مفكّر آخر
الحب والصراع كسببين لكل من هذه الأشياء، لأنه إذا تابع المرء أقوال "أمبادوقليس" وقدّرها من أجل معناها الحقيقي وليس لغتها الغامضة سوف يجد أن الحب
كان سببا لكل
الأشياء الخيرة، وأن الشقاق هو سبب كل الأشياء السيئة، وبالتالي قد يكون من الصحيح
القول أن "أمبادوقليس" تحدث عن الشر والخير بوصفهما
أصول أولية، وكان أول من فعل ذلك .اهـ[5]
قال "أرسطو":
اختلف "أمبادوقليس" عن سابقيه، فهو أول من قام
بتجزئة السبب، ولم يعدّ مصدر الحركة عنده شيئا واحدا، بل قوتين متضادتين
ومتعاكستين، علاوة على ذلك هو أول من أعلن أن العناصر المادية أربعة، على الرغم من
أنه لم يستخدمها كأربعة، ولكن كما لو كانت اثنين فقط، فقد وضع النار على جانب
وأضدادها – الأرض والهواء والماء – كطبيعة واحدة على الجانب الآخر، والمرء قد
يستطيع الوصول إلى هذه النتيجة بتأمّل دراسته بعناية .اهـ[6]
رأي "أرسطو": استحسن ذكرهم سببين، والمقصود العنصر المادي والحركة، لكن يبقى
الإشكال في المحرك
قال "أرسطو": هؤلاء المفكرون بدءا من "أمبادقليس" – مثلما قلت – أدركو سببين
من الأسباب المنصوص عليها في كتابنا عن "الطبيعة"، وهما السبب المادي وأصل الحركة، إلا أن ما قاموا به كان
غامضا وغير واضح، وكان عملهم أشبه بسلوك الجنود غير المؤهلين في أثناء القتال
الذين يندفعون كثيرا ويضربون ضربات قوية، لكنهم لا يفعلون ذلك على أسس علمية،
وبالمثل فإن هؤلاء المفكرين لا يعرفون في ما يبدو ماذا يقولون، فمن الواضح أنهم لا
يستخدمون الأسباب إلا في حالات نادرة وفي نطاق جيد:
فـ "أناكساغوراس": اعتبر العقل وسيلة فنية مؤقتة لخلق الكون، ولكنه كان يتراجع
عن ذلك حين يعجز أن يفسر بعض النتائج المهمة، لكنه في حالات أخرى يعزو الأحداث إلى
أسباب أخرى بدلا من أن ينسبها إلى العقل.
وعلى الرغم من "أمبادوقليس" استخدم الأسباب بشكل أوسع من "أناكساغوراس" إلا أنه لم يكن استخداما على
نحو كاف، ولم يحقق الانسجام في استخدامه لهذه الأسباب، على أي حال
غالبا ما يقوم الحب بجمع الأشياء
التي تشتت بفعل الفتنة أو النزاع؛ لأنه عندما يتجزأ الكون بسبب النزاع إلى عناصره،
فإن النار تتكتل في وحدة واحدة، ونفس الشيء يحدث مع كل عنصر من العناصر الأخرى،
ولكن عندما تعود للاتحاد من جديد لتكون شيئا واحدا، فإن جزئيات كل عنصر بالضرورة
ستكون مختلفة عما كانت عليه قبل أن تتحلل .اهـ[7]
خلاصة الفلسفة في الإلهيات قبل "أرسطوا"
هي فلسفة طبيعية وليست فلسفة إلهية، وتقوم على:
المعدوم لا يوجد؛ لهذا قالوا العنصر الأول المادي الموجود في جميع
المخلوقات أزلي أو قديم، ولا ينعدم فالمخلوقات تعود إليه
الخلق أو التكوين يرجع إلى:
التضاد في العنصر الواحد أو العناصر المختلفة
سبب زائد: المحرك، واختلفوا فيه: العقل، الحب...
ومع سفاهة القول الإشكال في:
المحرك لا بد أن يكون عاقلا ليخلق شيئا منظما، ولا يمكن للصدفة أن
تفعل ذلك، وهذا مثل نظرية الانفجار الكبير الحديثة، والعقل الكلي على قول "أنكساغوراس" معنى كلّي والكليات لا وجود
لها في الخارج، كما يأتي في الكلام عن مُثُل أفلاطون
الموجود الخير والشر، فلا يمكن لخالق الخير أن يخلق الشر، فالمحبة
تخلق الخير والنظام وكذلك العقل فمن يخلق الشر والفساد، اضطروا إلى سبب آخر
الكراهية أو الصراع وهذا إشكال عند المتكلمين الإسلاميين بين نفي لقدر الله، وبين
منع للشر بالقول بأن فعل الفاعل في ملكه لا يسمى شرا وظلما
والعجب أن يفتتن مسلمون قرؤوا القرآن وسمعوا سنة النبي صلى الله عليه وسلم بهؤلاء الفلاسفة؛ لأنهم تفكّروا، وتجد فلاسفة غربيين يسفهون
آراء هؤلاء الفلاسفة بما فيهم المعلم الأول "أرسطو"
والعلم الحديث: إلى هذه المدرسة ينتمي عنصر مادي انفجر ونشأ عنه الكون
تنبيه: لم أذكر رأي
الفيثاغوريين
القرآن والعلم الحديث "الأرض" 26
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق