الأربعاء، 20 أبريل 2022

شرح تلقين القاضي عبد الوهاب 18

شرح تلقين القاضي عبد الوهاب 18
شرح تلقين القاضي عبد الوهاب 18

✍بوعلام محمد بجاوي

لا مفهوم له :

قال الجصاص : وأيضا : فيه إثبات الأعمال بالنيات، وليس فيه نفي العمل مع عدم النية، كما يقال: الرجل بعقله، والرجل بعلمه، ليس فيه أنه لا رجل إلا بالعقل، ولا رجل إلا بالعلم، وإنما معناه: أن فضيلتهما بالعقل والعلم.

ويدل على أن المراد ذلك: قوله في سياق اللفظ "فمن كانت هجرته إلى الله ورسوله فهجرته إلى الله ورسوله، ومن كانت هجرته إلى دنيا يصيبها، أو امرأة يتزوج بها، فهجرته على ما هاجر إليه" .اهـ[1]

فأثبت له الهجرة على النيتين، وهذا بناء على نفي مفهوم المخالفة و هي هنا مفهوم الحصر

و أيضا : إجزاء نية النفل عن الفرض

فلو توضأ للنافلة جاز أن يصلي به الفرض، و هذا فيه معارضة للحديث : لأنه حصل له ما لم ينو، و لأن النفل لا يجزئ عن الفرض فدلّ على أن نية الوضوء نفل

قال الجصاص : وقد قال مخالفنا : إنه إذا نواه للتطوع : أجزأه أن يؤدي به الفرض، فلم يعتبر بنيته للتطوع، وقال في الحج : إذا نوى تطوعا : أجزأه عن الفرض أيضا .اهـ[2]

إلغاء المفهوم ينافي الحصر

قال ابن دقيق العيد أبو الفتح محمد بن علي ( ت : 702 ) : كلمة "إنما" للحصر، على ما تقرر في الأصول، فإن ابن عباس - رضي الله عنهما - فهم الحصر من قوله صلى الله عليه وسلم "إنما الربا في النسيئة" وعورض بدليل آخر يقتضي تحريم ربا الفضل، ولم يعارض في فهمه للحصر، وفي ذلك اتفاق على أنها للحصر.

ومعنى الحصر فيها : إثبات الحكم في المذكور، ونفيه عما عداه.

وهل نفيه عما عداه بمقتضى موضوع اللفظ، أو هو من طريق المفهوم ؟ فيه بحث .اهـ[3]

وإجزاء نية النفل جوابه :

في الوضوء : المعنى الذي هو ارتفاع الحدث حصل بنية الوضوء للتطوع

وفي الحج : الواجب حجة في العمر فإذا فعلها بنية الفرض أو النفل أسقطت عنه الوجوب هذا معنى ينقلب فرضا. ويأتي الكلام عنه

والقدح في دلالة الحديث على اشتراط النية في العبادات بعيد؛ لأنه سيق لذلك ودلالته واضحة، و البحث في دليل أو وجه استثناء ما لا يشترط له النية عند من يستثني

وعلى فرض دلالة الحديث :

الوضوء بغير نية ليس عبادة، لكن لا يتوقف التطهير به على العبادة، لأنه غير مقصود

قال السرخسي محمد بن أحمد ( ت : 483 ) : ونحن نسلم أن الوضوء بغير نية لا يكون عبادة، ولكن معنى العبادة فيها تبع غير مقصود إنما المقصود إزالة الحدث، وزوال الحدث يحصل باستعمال الماء فوجد شرط جواز الصلاة، وهو القيام إليها طاهرا بين يدي الله تعالى فيجوز كما لو لم يكن محدثا في الابتداء، وبه نجيب عن استدلاله بالحديث فإن المراد أن ثواب العمل بحسب النية، وبه نقول .اهـ[4]

و التيمم أيضا ليس عبادة، لكن لا بدّ له من النية لأن طهارته بجعل الشرع، وإلا ففعل التيمم ليس طهارة حقيقة

قال الكاساني : وهكذا نقول في التيمم أنه ليس بعبادة أيضا إلا أنه إذا لم تتصل به النية لا يجوز أداء الصلاة به، لا لأنه عبادة، بل لانعدام حصول الطهارة، لأنه طهارة ضرورية جعلت طهارة عند مباشرة فعل لا صحة له بدون الطهارة[5] فإذا عري عن النية لم يقع طهارة، بخلاف الوضوء؛ لأنه طهارة حقيقية، فلا يقف على النية .اهـ[6]

قال ابن القصار : و أما قوله "لا نسمي الطهارة من الدين"، ولا خلاف بين المسلمين بأن الوضوء واجب، وهو من دين المسلمين، وهذا قبح من قائله جدا.

دليل : وهو قوله - تعالى - } لن ينال الله لحومها ولا دماؤها ولكن يناله التقوى منكم  { [ الحج : 37 ] ، فأعلمنا - تعالى - أن الأعمال التي أمر بها لا تنفعه ولا تضره، ولا يحصل من ذلك إلا حسن الإخلاص.

دليل : وهو ما روى عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : "الوضوء شطر الإيمان"، ثم اتفقنا على أن الإيمان لا يصح إلا بنية وقصد، وكذلك شطره، لأن الشيء إذا كان شرطا في شيء فكل جزء منه له قسط من الشرط، وهذا الخبر يدل على أن الوضوء عبادة كالإيمان .اهـ[7]

و عند الأحناف : قوله صلى الله عليه وسلم : "الوضوء شطر الإيمان" : المقصود شطر الصلاة كما في قوله تعالى } وما كان الله ليضيع إيمانكم { [ البقرة: 143 ] لأن الإيمان – على مذهب مرجئة الفقهاء – التصديق، والوضوء عمل

قال الكاساني : وأما الحديث فتأويله أنه شطر الصلاة لإجماعنا على أنه ليس بشرط الإيمان لصحة الإيمان بدونه، ولا شطره لأن الإيمان هو التصديق، والوضوء ليس من التصديق في شيء، فكان المراد منه أنه شطر الصلاة، لأن الإيمان يذكر على إرادة الصلاة، لأن قبولها من لوازم الإيمان، قال الله تعالى } وما كان الله ليضيع إيمانكم { [ البقرة: 143 ] أي صلاتكم إلى بيت المقدس .اهـ[8]

حديث "الطهور شطر الإيمان" أخرجه مسلم 1 - ( 223 ) حدثنا إسحاق بن منصور حدثنا حبان بن هلال حدثنا أبان حدثنا يحيى أن زيدا، حدثه أن أبا سلام حدثه عن أبي مالك الأشعري قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : الطهور شطر الإيمان، والحمد لله تملأ الميزان، وسبحان الله والحمد لله تملآن - أو تملأ - ما بين السماوات والأرض، والصلاة نور، والصدقة برهان والصبر ضياء، والقرآن حجة لك أو عليك، كل الناس يغدو فبايع نفسه فمعتقها أو موبقها .

قال الدارقطني أبو الحسن علي بن عمر ( ت : 385 ) : وأخرج مسلم عن إسحاق بن منصور عن حبان بن هلال عن أبان عن يحيى عن زيد بن سلام عن أبي سلام عن أبي مالك عن النبي صلى الله عليه وسلم : "الطهور شطر الإيمان و الحمد لله تملأ الميزان" وفيه: الصلاة نور والقرآن حجة.

وخالفه معاوية بن سلام رواه عن أخيه زيد عن أبي سلام عن عبد الرحمن بن غنم أن أبا مالك حدثهم بهذا[9]

حديث معاوية أخرجه النسائي ( 5 / 5 ) و ابن ماجه ( 280 )

و أخرجه الترمذي ( 3519 ) حدثنا هناد [ بن السري ] حدثنا أبو الأحوص عن أبي إسحاق [ السبيعي ] عن جُرَي [ بن كليب ] النهدي عن رجل من بني سليم قال : عدهن رسول الله صلى الله عليه وسلم في يدي أو في يده : التسبيح نصف الميزان، والحمد يملؤه، والتكبير يملأ ما بين السماء والأرض، والصوم نصف الصبر، والطهور نصف الإيمان. وقال : هذا حديث حسن. وقد رواه شعبة وسفيان الثوري عن أبي إسحاق .اهـ وجهالة الصحابي – هنا – تضر لعدم العلم بإدراك أو سماع جري النهدي منه، لكن جاء التصريح بالسماع في رواية يونس بن أبي إسحاق عن جري عند أحمد ( 23160 ). و جري بن كليب ذكر أبو داود أنهما اثنان : كوفي يروي عنه أبو إسحاق السبيعي وابنه يونس، و بصري يروي عنه قتادة، ، وغره لا يفرق بينهما، و جاء في رواية عن قتادة أنه النهدي[10]، ذكر ابن المديني أنه مجهول لم يرو عنه غير قتادة وقال أبو حاتم : شيخ لا يحتج بحديثه[11]  

مقصود الأحناف المعنى في الوضوء معقول المعنى و هو رفع الحدث، فمتى توضأ ارتفع حدثة وإن لم ينوه كما في إزالة النجاسة، إن نواها كانت عبادة مثابا عليها و إن لم ينوها أجزأت و لم يكن مثابا عليها، ليس عبادة أي ليس تعبديا.   

والجواب : النجاسة إزالة عين نجسة، والوضوء في الحقيقة ليس رفع حدث وإنما المنع المترتب على الحدث

شرح تلقين القاضي عبد الوهاب 19

شرح تلقين القاضي عبد الوهاب 01

صفحة الفقه



[1] شرح مختصر الطحاوي 1 / 308

[2] شرح مختصر الطحاوي 1 / 308

[3] إحكام الأحكام شرح عمدة الأحكام ص :

[4] المبسوط 1 / 72 بدائع الصنائع 1 / 20

[5] الصلاة و ما يشترط له الطهارة

[6] بدائع الصنائع 1 / 20

[7] عيون الأدلة 1 / 109 – 110

[8] بدائع الصنائع 1 / 20

[9] التتبع ص 160 حديث 34

[10] عبد الله بن أحمد في زوائده على المسند 1294

[11] التاريخ الكبير 2 / 244 الجرح والتعديل 2 / 536 – 537 سؤالات الآجري لأبي داود 151 – 152 المؤتلف والمختلف للدارقطني 1 / 487 – 488 الثقات لابن حبان 4 / 117 الثقات للعجلي 1 / 267

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق