شرح تلقين القاضي عبد الوهاب 17
✍بوعلام محمد بجاوي
أجوبة الأحناف على الحديث :
أولا : عمومه متروك بالإجماع بالأعمال التي لا تشترط لها نية
مثل ستر العورة و غسل النجاسة، و يستدل
الأحناف أيضا بالقياس عليهما، ويأتي في دليل القياس
هذا في المعقولات، ومثاله في العبادات : نية
الفرض لا تفتقر إلى نية
قال الجصاص أبو بكر أحمد بن علي ( ت : 370 ) : و يقال لهذا القائل : خبرنا عن نية الفرض، هي فرض أم
ليست بفرض؟
فإن قال : ليست بفرض.
قيل له : فيحتاج في صحة وقوعها إلى نية
أخرى.
فإن قال : نعم، أَلْزمَ لكل نيةٍ نيةً، إلى
ما لا نهاية. وهذا خلف من القول.
فإن قال : لا تحتاج النية في صحة وقوعها إلى
نية أخرى.
قيل له : فقد بطلت قاعدتك في أن شرط الفرض
أو الطاعة وجود النية معها .اهـ[1]
الشيء لا يفتقر لنفسه، وأيضا النية لا تفتقر
إلى نية كالإيمان بالله تعالى والخوف والحياء منه لا يفتقر إلى نية؛ لأنها متميزة
لله تعالى
قال القرافي : القربات التي لا لبس
فيها لا تحتاج إلى نية كـ : الإيمان بالله تعالى و تعظيمه وإجلاله و الخوف من
عذابه و الرجاء لثوابه و التوكل على كرمه و الحياء من جلاله و المحبه لجماله و
المهابة من سلطانه و كذلك التسبيح و التهليل وقراءة القرآن و سائر الأذكار فإنها
متميزة لجنابه سبحانه وتعالى، وكذلك النية منصرفة إلى الله تعالى بصورتها فلا
جرم لم تفتقر النية إلى نية أخرى .اهـ[2]
وفي ستر العورة وإزالة النجاسة؛ فلأن
المقصود من الأمر حاصل بلا نية
والتخصيص لا يبطل دلالة العموم على ما عداه،
ولكن مقصود الجصاص نفي قاعدة "شرط الفرض أو الطاعة وجود النية معها"
فهو كالمقدمة لإخراج طهارة الحدث من عمومه بالأدلة
ثانيا : مجاز، والمجاز لا يعمل به إلا حيث دلّ الدليل
قال الجصاص : فإن قيل : روي عن النبي صلى الله عليه
وسلم أنه قال : "الأعمال
بالنيات". فإذا لم تكن له نية، فلا عمل.
قيل له : لا يصح الاحتجاج به؛ لأنه معلوم
أنه لم يرد به حقيقة اللفظ؛ لأن صحة وجود العمل غير موقوفة على النية، فإذًا
المراد معنى غير العمل، جعل العمل عبارة عنه، وما كان هذا سلبيه، فهو مجاز،
والمجاز لا يستعمل إلا في موضع يقوم الدليل عليه .اهـ[3]
المجاز باعتبار اللفظ أما باعتبار التركيب –
نفي الشيء لانتفاء ثمرته – فالظاهر نفي الصحة، أي الوجود الشرعي، والمجاز في حكمه
لا في عمومه للأعمال، وهذا على القول بالإضمار، وعلى القول بعدم الإضمار الشاهد
قوله "وإنما لكل امرئ ما نوى"
والمجاز إذا عرف القصد من الكلام – كما هو الحال في حديث "إنما الأعمال بالنيات" – حمل اللفظ عليه
ثالثا : الحديث مجمل
الحديث فيه إضمار، و هو يحتمل الفضيلة و
يحتمل الإجزاء، ولا يمكن حمل الحديث عليهما لأن العموم من عوارض الألفاظ، وهنا لا
لفظ أصلا، وأصل هذه المسألة عموم المقتضى ؟
هل هو عام ؟ أو مجمل ؟ أو يحمل على خاص ؟
قال الجصاص : وأيضا : فإنه لما كان هناك ضمير احتمل أن
يكون المراد به جواز العمل، واحتمل أن يراد به فضيلة العمل: بطل أن يكون عموما أو
خصوصا، إذ ليس بملفوظ به، والعموم والخصوص إنما يتبعان في الألفاظ .اهـ[4]
وقال القدوري أحمد بن محمد ( ت : 428 ) : هذا متروك بالإجماع، لأن العمل يكون بغير نية، ثبت أن
المراد به غير الظاهر، و يحتمل : فضيلة العمل بالنية، وليس أحدهما أولى من الآخر،
ولا يجوز إضمارهما؛ لأن اللفظ إذا استقل بإضمار واحد لم يحتج إلى غيره، ولأن
العموم في المضمرات لا يعتبر، ولأن الفضيلة والجواز يتنافيان، ألا ترى أن عدم
الفضيلة يقتضي وجود الجواز، وإضمار الجواز ينفي الأمرين .اهـ[5]
ولا يمكن حمله على حكم العمل، لما سبق من أن
من الأعمال ما يصح بلا نية، فيحمل على ما لم يتفق على تركه و هو الثواب والفضيلة
قال القدوري : ولا يقال إنا نضمر "حكم العمل"، وذلك
لأن هذا مجمع على تركه، ألا ترى أن الأعمال قد ثبت حكمها من غير نية، وكان إضمار
ما لم يتفق على تركه أولى .اهـ
المضمر يكون عندما يكون المضمر معلوما،
فالمضمر في } حرمت عليكم الميتة { "أكلها" و في } حرمت عليكم أمهاتكم { "النكاح" وعليه
يحمل على الأقرب، والأقرب لنفي الحقيقة – مفهوم الحصر النفي، أي لا عمل إلا بنية –
نفي الصحة أي نفي الوجود الشرعي
رابعا : الحديث ورد على سبب
الحديث ورد
على سبب، و هو عدم نية الهجرة، و ليس فيه عدم إجزائها؛ لأنه لم يأمره بالرجوع
قال القدوري : ولأن الخبر خرج على سبب، وهو أن رجلًا
هاجر خلف امرأته، فقال عليه السلام : "إنما الأعمال بالنيات، فمن كانت هجرته إلى الله ورسوله
فهجرته إلى الله ورسوله، ومن كانت هجرته إلى امرأة يتزوجها أو دنيا يصيبها فهجرته
إلى ما هاجر إليه". فأسقط
الثواب في الهجرة لعدم النية، وإن وقعت موقع الواجب.
ألا ترى أنه لم يأمره بالعود إلى دار الحرب
وتجديد الهجرة إلى دار الإسلام ؟ وإن كان المراد بالخبر الفضيلة فيما قصد به كان
هو المراد فيما لم يقصَد به .اهـ[6]
الجواب : العبرة بعموم اللفظ
قال ابن القصار : فإن قيل : فليس في هذا
الخبر دلالة : لأنه خرج على سبب وهو قصد المهاجرة، ألا تراه قال : "فمن كانت هجرته إلى الله ورسوله فهجرته إلى الله ورسوله، ومن
كانت هجرته إلى دنيا يصيبها أو امرأة يتزوجها فهجرته إلى ما هاجر إليه"، فوجب أن نقصره على الهجرة.
قيل : النبي صلى الله عليه وسلم أخرج هذا
خرج العموم، ثم ذكر بعض ما شمله العموم، ولو أراد الهجرة وحدها لقال : إنما الهجرة
التي هي عمل واحد، فلما عدل عن ذلك، و قال : "الأعمال بالنيات"، لم يجز أن نصرفه إلى عمل واحد.
وعلى أنه عليه السلام نبه على المعنى وهو
المقاصد، ولا فرق بين الهجرة وغيرها .اهـ[7]
وقوله "لم يأمره بالعود إلى دار الحرب وتجديد الهجرة إلى دار الإسلام" لأن المعنى وهو ترك ديار الكفر و العيش بين ظهراني المسلمين متحقق، فالهجرة واجبة على من يعيش بين ظهراني الكفار وهو لم يعد كذلك،، فلم تعد واجبة عليه
شرح تلقين القاضي عبد الوهاب 18
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق