قواعد في البدعة من نصيحة المعلمي
✍بوعلام محمد بجاوي
تقديم
مما
ينبغي الحرص عليه، وعدم تفويته استنصاح العالم المعلم التقي النقي المجرب، فإن
تعذر فبمراجعة نصائحهم لمن استنصحوهم و لمن ابتدؤوهم بالنصيحة دون طلب
وممن
يحرص على نصيحته المعلمي عبد الرحمن
بن يحيى ( ت : 183 )، الذي لم يبخل على تلميذه "محمد" بنصيحة طلبها
قال بعد الثناء
عليه : والتمس مني أن أكتب له وصية نافعة، فرأيت من الحق
عليّ أن أجيبه إلى ذلك، ومن الله تعالى أسأل التوفيق لي وله .اهـ[1]
وأضيف
لها نصا واحدا من وصيته (الوصية بعد الموت)، و قد أضطر للتعليق على كلامه زيادة في
الشرح والبيان بين [ ]
القاعدة الأولى : القصد
والقدوة
قال : ولا ريب أن الصحابة رضي الله عنهم كانوا
أكمل الخلق في الإيمان وصحة الاعتقاد، فمن أراد صحة الاعتقاد فليجعل نفسه كواحد
منهم، لا يعتد إلا بما كان حاصلا لهم من العقل الفطري، والفهم لكلام الله عزّ وجلّ وكلام رسوله، بحسب اللغة العربية، مع صدق الإجلال لله عزّ وجلّ ، وأن لا يقفو
ما ليس له به علم، والتحرز من الهوى واتباعه. فلا يكن هم الإنسان إلا أن يكون
مؤمنا ملتزما للصراط المستقيم، صراط الذين أنعم عليهم، ومنهم رسوله صلى الله عليه وسلم وأصحابه، ولا يبالي إذا وافق أن يخالف أحدا من الناس. همه أن
يوافق الله ورسوله سواء أوافق قول من دونهما أو خالفه .اهـ[2]
القاعدة الثانية : حقيقة العبادة
قال : والعبادة : هي الخضوع والتذلل طلبا لنفع غيبي...
[ و عليه ] الدعاء بمعنى سؤال النفع الغيبي
هو روح العبادة، وبقية العبادات متضمنة له، لأنها كلها يطلب بها النفع الغيبي. فمن
دعا الله عزّ وجلّ، أي : سأل منه أن يرحمه، أو يشفيه، أو
يغنيه، أو غير ذلك، فقد عبده. ومن دعا غير الله عزّ وجلّ، أي سأل منه نفعا غيبيّا فقد عبد غير الله عزّ وجلّ.[3]
فأما الخضوع والتذلل طلبا للنفع الغيبي، فإن
الله إذا أمر بالتذلل لغيره، فامتثلنا ذلك كنا عابدين لله عزّ وجلّ ، لا لمن وقع في الخضوع في الصورة له، فمن تذلل لوالديه
إلى الحد الذي أذن الله به، وقصد بذلك امتثال أمر الله عزّ وجلّ فهو عابد لله، لا للوالدين. [ والطواف بالبيت عبادة لمن أمر بالطواف حوله
لا للبيت نفسه، بخلاف الطواف بالقبور، فالشرع لم يأمر به، بل نهى أن ترفع وتشيّد،
وأهل الأهواء يقيسون هذا على هذا ويبرّرون به شركهم ]
فوصيتي لمحمد ولكل مسلم أن لا يدعو إلا
الله، ولا يفعل فعلا فيه خضوع يطلب به النفع الغيبي إلا إذا علم أن الله عزّ وجلّ أمر به، وأذن فيه. فمن تحقق هذا الأمر والتزمه فلم يدع
إلا الله عزّ وجلّ ، ولم يقصد بفعل ما فيه خضوع يطلب به النفع الغيبي إلا
ما علم أن الله تعالى أمر به أو أذن فيه فقد برئ من الشرك. ومن لم يتحقق هذا
المعنى، وشك فيه، فعليه أن يحتاط. ومن اطّلع على هذا أو شكّ فيه، ثم لم يحتط،
فحاصل ذلك أنه أقدم على ما يمكن عنده أن يكون كفرا وشركا .اهـ[4]
القاعدة الثالثة : السلامة في الاتباع[5]
قال : قد دخل في هذا الباب [ التطوع ] خلل كثير، فالواجب
الاقتصار على ما يتحقق أنه ثابت شرعا، من صلاة أو صيام أو غيرها.
فقد جاء الشرع بالصلوات الخمس وغيرها مما هو
ثابت بالسنن الصحيحة، ثم أذن الشارع بالصلاة في غير أوقات النهي على أنها نفل مطلق[6]. فعلى المسلم أن يصلي الصلوات الثابتة
شرعا، ويدع الصلاة في أوقات النهي.
ثم يعلم فيما عدا ذلك أن الصلاة مشروعة شرعا
مطلقا، لا مزية لبعضه على بعض، ولا يلتفت إلى مزية لم تثبت شرعا. وهكذا سائر
الصيام وسائر العبادات
وقد تشاغل الناس بأحزاب وأوراد وأذكار زعم
بعض الناس أن لها مزية، ولم يثبت ذلك شرعا، فعلى المسلم أن يعتقد أن تلك المزية لا
يعتد بها، لأنها غير ثابتة شرعا. وما لم يثبت شرعا فليس من الدين في شيء، لأن
الدين هو ما أنزله الله عزّ
وجلّ على رسوله محمد صلى الله عليه وسلم - فبلّغه رسول الله صلى
الله عليه وسلم وتكفّل الله عزّ وجلّ بحفظه، فحفظته الأمة حفظا تقوم به الحجة -، فما ليس كذلك، فليس من الدين
في شيء.
فمن سوّل له الشيطان أن يتشاغل بشيء من ذلك
عن العبادات الشرعية، والأعمال النافعة، فقد خاب، فإن الشيطان يسعى بصرف الناس عن
تلاوة القرآن والأذكار الثابتة شرعا، كالصلاة الإبراهيمية على النبي صلى الله عليه وسلم ونحوها، وعن أعمال الخير كالسعي في مصالح الأهل وغيرهم من المسلمين، والعمل
فيما ينفع المسلمين، أو فيما ينفع العامل من الحلال. فهو يصرف الجهال عن ذلك كله
بما ليس من الدين في شيء، حتى لا ينتفعوا في دينهم ولا دنياهم، بل يقعون في البدع
المهلكة.
والحاصل : أن كل عمل يعمله الإنسان راجيا للثواب أو البركة إن كان
ثابتا شرعا أنه مشروع يرجى منه ذلك الثواب فهو حق وإلا فهو باطل. وكثيرا ما يقع
الإنسان بعمله تلك الأعمال التي لم تثبت شرعا في الشرك، كما يعلم مما تقدم .اهـ[7]
وقال : وإن مما هو من جهة نعمة عظيمة من الله - تبارك وتعالى
- على هذه الأمة - ومن جهة أخرى حجة بالغة له سبحانه - أن كانت عامة المحدثات -
التي نقول إنها بدع ضالة، ومنها ما هو شرك بالله عزّ وجلّ - ليس فيها ما يقول أحد إنه ركن، أو شرط للإيمان، ولا فرض لازم، ولا سنة
مؤكدة، بل غاية ما يزعم بعضهم أنه مما يرجى له ثواب وبركة. وقد قال من هو أعلم من
هذا بكتاب الله عزّ وجلّ وسنة رسوله وأقوال سلف الأمة إن ذلك بدعة
مضلة، ومنه ما هو شرك.
ومع هذا فهناك أعمال كثيرة ثابت أنها مشروعة
[ مطلقة ومقيدة ] وأن ثوابها أعظم، وبركتها جليلة، ودل الكتاب والسنة وأقوال سلف
الأمة وأئمتها على ذلك، فالمخذول - كل الخذلان، والمحروم كل الحرمان، والخارج عن
طريق العلم والإيمان والعقل والفهم - هو من يَقْدم على شيء من تلك المحدثات،
ويتشاغل بها في حين أنه يمكنه صرف ذلك الوقت في الأعمال والأقوال الشرعية الثابتة،
والثابت عظيم ثوابها وبركتها.
وإذا أجمع الأطباء على شيء أنه دواء نافع،
واختلفوا في شيء - فقال بعضهم إنه مهم، وقال بعضهم: ضار ضررا شديدا، وقال بعضهم :
لا يتحقق ضرره، وقال بعضهم : ربما يكون له نفع ما، ولكنه لا حاجة إليه للاستغناء
عنه بالمجمع عليه - فالعاقل يستغني بالمجمع عليه، ويتجنب المختلف فيه .اهـ[8]
القاعدة الرابعة : مجادلة أهل البدع
قال : وهذا زمان قد صرنا فيه - أو كدنا - إلى ما ورد في
الحديث: "شح مطاع، وهوى
متبع، وإعجاب كل ذي رأي برأيه[9]
فأحب لك أن تجتنب المخاصمات التي لا ترجو
لها فائدة .اهـ[10]
وقال : ولا بأس بعد ذلك [ التذكير بما جاء في "المقدمة الثالثة" ] أن تقول لمن نازعك : ليس عندي من العلم ما أتمكن
به من المناظرة والمحاجة، ولكنني أعلم أن الواجب على الناس ترك المحدثات، فإن لم
يستغنوا ببطلانها وأن منها ما هو شرك، فإنهم يعرفون من اختلاف العلماء احتمال ذلك،
فوجب عليهم اجتناب ما يخافون أن يكون شركا، وقد علموا أنه - على فرض صحة ما يزعم
أنصار البدع - لا حاجة إليه، فإن في العبادات الشرعية العظيمة الأجر والثواب
والبركة ما يغني عنه، ولا
ينبغي لعاقل أن يدع ما علم بالإجماع والنصوص القاطعة أنه إيمان، ويتشاغل بما يحتمل
على الأقل أن يكون شركا .اهـ[11]
القاعدة الخامسة : الاحتياط في التبديع
والتكفير
قال : وعليك أن توطن نفسك على حب الخير للخلق أجمعين، حتى
إذا كرهت كافرا أو مبتدعا أو فاسقا فلا تكرهه إلا لأنك تحب له أن يدع ما يضره،
ويلتزم ما ينفعه .اهـ[12]
وقال : والمهم أن تلتزم سبيل النجاة، وتدعو إليه، وأن تحسن
ظنك بالناس، فما دام محتملا عندك في شخص أن له عذرا مقبولا عند الله عزّ وجلّ، فاحمله على السلامة، وكل أمره إلى الله عزّ وجلّ .اهـ[13]
وقال في وصيته (وصية بعد الموت) : وأعتقد أن كل مسلم اعتقد في الله سبحانه وتعالى عقيدة
أداه إليها اجتهاده، وظن أنها الحق وقصد بها الحق، ولم تكن كفرا، فهو من رحمة الله
قريب، وإن أخطأ. وأقف عما إذا استلزمت كفرا، وأنا إلى السلامة أقرب .اهـ[14]
غفر الله للمعلمي ورحمه، وزاده بهذا الانتخاب من كلامه رفعة و سموا في النعيم الخالد، ورزق المنتخِب صحبته في الجنة ورزقهما صحبة نبيه محمد صلى الله عليه وسلم فيها..آمين.
[1] الآثار 22 / 244 – 245
[2] الآثار 22 / 245 - 246
[3] الآثار 22 / 248
[4] الآثار 22 / 248 - 249
[5] يشبه كلامُه كلامَ ابن رجب في أحد كتبه، ومثل هذه المعاني تتوارد
على القلوب، لأنها ظاهرة غير خفية، لا تحتاج إلى عالم، يكفي أن تكون عاقلا يريد
النفع لنفسه
[6] يريد استثناء
ذوات الأسباب، كركعتي تحية المسجد
[7] الآثار 22 / 251 - 252
[8] الآثار 22 / 253 - 254
[9] أخرجه أبو داود (4341)، والترمذي (3058)، وابن ماجه
(4514)، وابن حبان (385) وغيرهم من حديث أبي ثعلبة الخشني رضي الله عنه. قال الترمذي:
"حسن غريب"، وصححه الحاكم.(من التحقيق)
[10] الآثار 22 / 253
[11] الآثار 22 / 255 - 256
[12] الآثار 22 / 253
[13] الآثار 22 / 249
[14] الآثار 22 / 241
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق