الأربعاء، 18 ديسمبر 2019

الرياض المزهرات في شرح البردة والمعلقات 07

الرياض المزهرات في شرح البردة والمعلقات 07
الرياض المزهرات في شرح البردة والمعلقات
07

✍بوعلام محمد بجاوي
و من استطراداته ذكره لمقاطع شعرية تأسّيا بعمله في كتابه "الحيوان"
قال : كانت العادة في "كتاب الحيوان" أن أجعل في كل مصحف من مصاحفها عشر ورقات من مقطّعات الأعراب، ونوادر الأشعار، لما ذكرت عجبك بذلك، فأحببت أن يكون حظ هذا الكتاب في ذلك أوفر إن شاء الله .اهـ[1]
وقد يترك الاستطراد لأن "كتابا له" أولى به
قال في كلام الأعشى ميمون بن قيس ( ت : 7 ) و بشار بن برد ( ت : 167 ) في صفة اللين للمرأة [ رقّة اللون ] : وهذان أعميان قد اهتديا من حقائق هذا الأمر إلى ما لا يبلغه تمييز البصير. ولـ "بشار" خاصة في هذا الباب ما ليس لأحد، ولولا أنه في كتاب "الرجل والمرأة[2]"، وفي باب القول في الإنسان من "كتاب الحيوان" أليق و أزكى لذكرناه في هذا الموضع .اهـ[3]
والدافع له للاستطراد عدم إملال القارئ، ذكر هذا المعنى في :
تقطيعه الكلام، بذكره في أكثر من موضع
قال في باب "النوكى وغيرهم" : ذكر بقية كلام النوكى، والموسوسين، والجفاة، والأغبياء، وما ضارع[4] ذلك وشاكله، وأحببنا أن لا يكون مجموعا في مكان واحد إبقاء على نشاط القارئ و المستمع .اهـ[5]
وفي هذا المعنى يقول لابدّ من الانتقال من باب إلى باب دون خروج عن الموضوع أو الفن
قال : وجه التدبير في الكتاب إذا طال أن يداويَ مؤلّفه نشاط القارئ له، ويسوقه إلى حظّه بالاحتيال له. فمن ذلك أن يخرجه من شيء إلى شيء، ومن باب إلى باب، بعد أن لا يخرجه من ذلك الفن، ومن جمهور ذلك العلم .اهـ[6]
قاله في سياق ذكره لـ "خلفاء بني العباس" فهو لا يرى إقحام "أخبار الخلفاء" خروجا عن موضوع علم البيان والبلاغة
شرح كلام العسكري :
و بعد الكلام على الاستطراد الذي أشار إلية "عبد السلام هارون" في تعليقه على كلام "العسكري" نعود إلى شرح كلام العسكري ( على طريقة الجاحظ في الاستطراد )
موضوع الكتاب :
موضوع الكتاب : كما يدلّ عليه عنوانه : "البيان"
و "البيان" مرادف لـ "البلاغة والفصاحة"، فلا فرق بين كونه كتابا في "البيان"و بين كونه كتابا في "البلاغة والفصاحة"
قال العسكري : والكتب المصنّفة فيه [ علم البلاغة، ومعرفة الفصاحة ] قليلة، وكان أكبرها وأشهرها كتاب "البيان والتبيين" لـ أبي عثمان عمرو بن بحر الجاحظ .اهـ[7]
و قال ابن رشيق أبو علي الحسن بن رشيق القيرواني ( ت : 463 ) في كلامه عن "البيان" : وقد استفرغ أبو عثمان الجاحظ – وهو علامة وقته – الجهد، وصنع كتابا لا يُبْلَغُ جودة وفضلا، ثمّ ما ادّعى الإحاطة بهذا الفن، لكثرته، وأنه كلام الناس و أنفاسهم لا يحيط به إلا الله U .اهـ[8]
قال العسكري : وهو لعمري كثير الفوائد، جمّ المنافع، لما اشتمل عليه من الفصول الشريفة، والفِقر اللطيفة، والخطب الرائعة، والأخبار البارعة، وما حواه من أسماء الخطباء والبلغاء، وما نبّه عليه من مقاديرهم في البلاغة والخطابة، وغير ذلك من فنونه المختارة، ونعوته المستحسنة.
إلا أنّ الإبانة عن حدود البلاغة، وأقسام البيان والفصاحة مبثوثة في تضاعيفه، ومنتشرة في أثنائه، فهي ضالّة بين الأمثلة، لا توجد إلا بالتأمل الطويل، والتصفّح الكثير .اهـ[9]
ظاهر كلامه أنه كان عليه أن يقتصر على حدود البلاغة، وأقسام البيان والفصاحة أو أن يجمعها في موضع
لكن لم يكن هذا مقصود الجاحظ، قال في مطلع الجزء الثالث : هذا – أبقاك الله – "الجزء الثالث"، من القول في "البيان والتبين"، وما شابه ذلك من غرر الأحاديث، وشاكله من عيون الخطب، ومن الفقر المستحسنة، والنتف المستخرجة، والمقطّعات المتخيّرة، وبعض ما يجوز في ذلك من أشعار المذاكرة، والجوابات المنتخبة .اهـ[10]
و بهذا عدّ في "كتب الأدب"، و هو في هذا لا يخرج عن علم "البيان والبلاغة"، بل هذا هو "علم البلاغة والبيان"
وسبق قوله : وجه التدبير في الكتاب إذا طال أن يداوي مؤلّفه نشاط القارئ له، ويسوقه إلى حظّه بالاحتيال له. فمن ذلك أن يخرجه من شيء إلى شيء، ومن باب إلى باب، بعد أن لا يخرجه من ذلك الفن، ومن جمهور ذلك العلم .اهـ[11]
وكأنه يقول : البلاغة تحصل بسماع كلام العرب وتدبره، وكلام العباد والزهاد والخطباء و ما شاكلهم، لا بحفظ التعريفات و المصطلحات أو الالقاب 
وسبق قوله : إنه ليس في الأرض كلام هو أمتع ولا آنق، ولا ألذّ في الأسماع، ولا أشدّ اتصالا بالعقول السليمة، ولا أفتق للسان، ولا أجود تقويما للبيان، من طول استماع حديث الأعراب العقلاء الفصحاء، والعلماء البلغاء. وقد أصاب القوم في عامة ما وصفوا .اهـ[12]
ولم يكن غرضه ذكر الصور البيانية والمحسنات البديعية
وهذا نهج ومَهْيَعُ المتقدمين، خلاف ما عليه المتأخرون من عرض العلوم في تعريفات يجب أن تستوفي شروطها المقررة في كتب المنطق، و تقسيمات بجمع الفروع تحت أصولها، فروع متعلقة بـ "البيان" و أخرى بـ "البديع" و أخرى بـ "المعاني"، وهي لا تكفي لتحصيل الكفاءة والـمَلَكَة، بل قد تكون عائقا في تحصيل الكفاءة، لأن الـمَلَكة تحصل بـ : النظر في كلام العرب شعرا ونثرا، وحفظه 
وصنيعه يشبه صنيع الشافعي محمد بن إدريس ( ت : 204 ) في "الرسالة" و هو في البيان الشرعي، وقد افتتحه بأنواع البيان، ثم ذكر مسائل متعلقة بالدلالة و بالحجية


[1] البيان والتبين 1 / 302
[2] لم يذكره عبد السلام هارون في فهرس الكتب
[3] البيان والتبين 1 / 225
[4] شابه
[5] البيان والتبين 4 / 5
[6] البيان والتبين 3 / 366
[7] كتاب الصناعتين 4 - 5
[8] العمدة في صناعة الشعر ونقده 1 / 411
[9] كتاب الصناعتين 4 - 5
[10] البيان والتبين 3 / 5
[11] البيان والتبين 3 / 366
[12] البيان والتبين 1 / 145

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق