النبوات وفضائل نبينا محمد صلى الله عليه وسلم 10
✍بوعلام
محمد بجاوي
قال أبو عبد البر بوعلام محمد بجاوي – غفر الله ذنبه وستره، ووفقه لاجتناب المحرمات والمنكرات – : بل إن كافرَ
العرب ليس كالكافر من غيرهم، والفاسقَ من العرب ليس كالفاسق من غيرهم، فكفرهم
أعظم، وفسقهم أعظم، لما لهم من الأسباب الزائدة على غيرهم لقبول الحق، فالنبي صلى
الله عليه وسلم منهم، وهم أول المدعوون، وبلسانهم خاطبهم، فكيف يليق بالعربي الذي
اختار الله لسانه ليكون لغة القرآن والوحي، و اختار رجلا منهم رسولا نبيا هو خاتم
الرسل وأفضلهم بعدما كانت النبوة في أولاد إسحاق، وكان اليهود يخوّفونهم به ظنا
منهم أنه منهم.
وتفضيل
الله لهم لا يبيح لهم التفاخر والكبر على غيرهم، ويوجب لغيرهم حبهم واعتقاد أن
معدنهم أفضل المعادن أي في الجملة، ويحرم بغضهم كما هو حال "الشعوبية"
قال ابن تيمية
: فإن الذي عليه أهل السنة والجماعة : اعتقاد أن جنس العرب أفضل من جنس
العجم، عبرانيهم وسريانيهم روميهم وفرسيهم
وغيرهم.
وأن قريشا
أفضل العرب، وأن بني هاشم : أفضل قريش، وأن رسول الله صلى الله عليه وسلم أفضل بني
هاشم، فهو : أفضل الخلق نفسا، وأفضلهم نسبا .اهـ[1]
وقال : وذهبت فرقة من الناس إلى أن لا فضل لجنس العرب على جنس
العجم. وهؤلاء يسمون "الشعوبية"، لانتصارهم للشعوب، التي هي مغايرة للقبائل، كما
قيل : القبائل: للعرب، والشعوب: للعجم.
ومن الناس من قد يفضل بعض أنواع
العجم على العرب.
والغالب أن مثل هذا الكلام لا
يصدر إلا عن نوع نفاق: إما في الاعتقاد، وإما في العمل المنبعث عن هوى النفس، مع شبهات اقتضت
ذلك، ولهذا جاء في الحديث "حب العرب
إيمان وبغضهم نفاق" .اهـ[2]
قال حرب بن إسماعيل أبو محمد ( ت : 280 ) في عقيدته – القول بالمذهب – :
ويعرف للعرب حقها وفضلها وسابقتها
ويحبهم لحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم : حب العرب إيمان وبغضهم نفاق. ولا
يقول بقول الشعوبية وأراذل الموالي الذين لا يحبون العرب، ولا يقرون لها بالفضل،
فإن قولهم بدعة وخلاف .اهـ[3]
وقال في
أول العقيدة : هذا مذهب أئمة العلم وأصحاب الأثر وأهل السنة المعروفين
بها المقتدى بهم فيها، وأدركت من أدركت من علماء أهل العراق والحجاز والشام وغيرهم
عليها فمن خالف شيئًا من هذه المذاهب، أو طعن فيها، أو عاب قائلها فهو مبتدع خارج
من الجماعة زائل عن منهج السنة وسبيل الحق، وهو مذهب أحمد وإسحاق بن إبراهيم بن
مخلد، وعبد الله بن الزبير الحميدي وسعيد بن منصور، وغيرهم ممن جالسنا وأخذنا عنهم
العلم فكان من قولهم .اهـ[4]
هذا
هو الميزان الحق:
أن
يعلم العربي : أن جنسه مقدّم ومفضّل على غيره فيسعى لأن يكون الأفضل
علما وعملا
أن
يعلم غير العربي : ما اختص الله به العرب من الأوصاف التي أوجبت لهم أن
يكونوا أفضل الأجناس
والانحراف
واقع من الجهتين
اغترار
العربي بنسبه وازدرائه للعجم، بل والموالاة والمعاداة بـ "العروبة" لا بـ "الإسلام" و هو ما يعرف بـ "القومية العربية"
بُغض غير
العربي للعرب إما حسدا، و إما اعتقادا منه أن جنسه الأولى بالفضل، و يعرفون بـ
"الشعوبية" و قد يزيد بأن العرب أعراب غير متحضرين، ونهاية الضلال الامتناع عن
قبول الإسلام أو الارتداد عنه إن كان من ذرية قوم مسلمين، والتحالف مع اليهود
والنصارى رجاء أن يعينوهم على "العرب
المسلمين"
وهذا ما
أوجب الفرقة بين المسلمين، و أحدث شرخا في حصن المسلمين
قال ابن تيمية : مع
أن الكلام في هذه المسائل لا يكاد يخلو عن هوى للنفس، ونصيب للشيطان من الطرفين،
وهذا محرم في جميع المسائل.
فإن الله قد أمر المؤمنين
بالاعتصام بحبل الله جميعا، ونهاهم عن التفرق والاختلاف، وأمرهم بإصلاح ذات البين،
وقال النبي صلى الله عليه وسلم : مثل
المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم، كمثل الجسد الواحد، إذا اشتكى منه عضو
تداعى له سائر الجسد بالحمى والسهر.
وقال صلى الله عليه وسلم : لا تقاطعوا ولا تدابروا ولا تباغضوا، ولا تحاسدوا وكونوا
عباد الله إخوانا، كما أمركم الله. وهذان حديثان صحيحان.
وفي الباب
من نصوص الكتاب والسنة ما لا يحصى .اهـ[5]
وقال : وإنما
يتم الكلام بأمرين :
أحدهما[6] : أن الذي يجب على المسلم إذا نظر
في الفضائل، أو تكلم فيها، أن يسلك سبيل العاقل الدين، الذي غرضه أن يعرف الخير، و
يتحرّاه جهده، وليس غرضه الفخر على أحد، ولا الغمص من أحد، فقد روى مسلم في صحيحه
عن عياض بن حمار المجاشعي رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : إنه أوحي إلي أن تواضعوا، حتى لا يفخر أحد على أحد، ولا
يبغي أحد على أحد [ مسلم 64 - (2865)
]. فنهى
سبحانه على لسان رسوله عن نوعي الاستطالة على الخلق، وهي: الفخر والبغي، لأن
المستطيل إن استطال بحق فقد افتخر، وإن كان بغير حق فقد بغى، فلا يحل لا هذا ولا
هذا، فإن كان الرجل من الطائفة الفاضلة، مثل : أن يذكر فضل بني هاشم أو قريش أو
العرب أو بعضهم، فلا يكن حظه استشعار فضل نفسه، والنظر إلى ذلك، فإنه مخطئ في هذا،
لأن فضل الجنس لا يستلزم فضل الشخص كما قدمناه، فربّ حبشي أفضل عند الله من جمهور
قريش، ثم هذا النظر يوجب نقصه وخروجه عن الفضل، فضلا عن أن يستعلي بهذا، أو
يستطيل.
وإن كان
من الطائفة الأخرى، مثل العجم، أو غير قريش، أو غير بني هاشم، فليعلم أن تصديقه
لرسول الله صلى الله عليه وسلم فيما أخبر وطاعته فيما أمر، ومحبة من أحبه الله،
والتشبه بمن فضل الله، والقيام بالدين الحق، الذي بعث الله به محمدا، يوجب له أن
يكون أفضل من جمهور الطائفة المفضلة، وهذا هو الفضل الحقيقي.
وانظر إلى
عمر بن الخطاب رضي الله عنه، حين وضع الديوان، و قالوا له : يبدأ أمير المؤمنين
بنفسه فقال: لا، و لكن ضعوا عمر حيث وضعه الله. فبدأ بأهل بيت رسول الله صلى الله
عليه وسلم ثم من يليهم، حتى جاءت نوبته في بني عدي وهم متأخرون عن أكثر بطون قريش .اهـ[7]
وتروى في
الأمر بحبهم و النهي عن بغضهم أحاديث ضعيفة جمعها العراقي أبو الفضل عبد الرحيم بن الحسين ( ت : 806 ) في "محجة القرب إلى محبة العرب[8]" من أبوابه : الباب الثالث : في بيان أن حب العرب حب للنبي صلى الله
عليه وسلم . الباب الرابع : في قوله أحبوا العرب لثلاث . الباب السابع : في أن بغض العرب مفارقة للدين . الباب
الثامن : في ان حبهم إيمان وبغضهم نفاق . و ابن تيمية في "اقتضاء الصراط المستقيم" ومنها ما أخرجه الترمذي في
جامعه باب "في فضل العرب"
(3927) حدثنا محمد بن يحيى الأزدي وأحمد بن منيع وغير
واحد قالوا : حدثنا أبو بدر شجاع بن الوليد عن قابوس بن أبي ظبيان عن أبيه [ أبي
ظبيان حصين بن جند ] ، عن سلمان، قال : قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: يا سلمان لا
تبغضني فتفارق دينك،
قلت : يا
رسول الله كيف أبغضك وبك هدانا الله ؟ قال : تبغض
العرب فتبغضني.
هذا حديث
حسن غريب، لا نعرفه إلا من حديث أبي بدر شجاع بن الوليد.
وسمعت
محمد بن إسماعيل [ البخاري ] يقول: أبو ظبيان لم يدرك سلمان، مات سلمان قبل علي .اهـ
وقال ابن أبي حاتم
أبو محمد عبد الرحمن بن أبي حاتم محمد ( ت : 327 ) : سمعت أبي يقول حصين بن جندب أبو ظبيان قد أدرك ابن مسعود، ولا أظنه سمع منه،
ولا أظنه سمع من سلمان حديث العرب...والذي يثبت له ابن عباس و جرير
بن عبد الله، ولا يثبت له سماع من علي رضي الله عنه .اهـ[9]
وقال : حدثنا صالح بن أحمد بن حنبل "نا" علي - يعني
ابن المديني - قال سمعت يحيى بن سعيد القطان يقول : سمعت شعبة : ينكر أبو ظبيان
سمع سلمان .اهـ[10]
وقابوس بن أبي ظبيان : ضعيف[11]
(3928)
حدثنا عبد بن حميد حدثنا محمد بن بشر العبدي حدثنا عبد الله بن عبد الله بن الأسود
عن حصين بن عمر، عن مخارق بن عبد الله عن طارق بن شهاب عن عثمان بن عفان، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : من غش العرب لم يدخل في شفاعتي ولم تنله مودّتي.
قال الترمذي : هذا حديث غريب، لا نعرفه إلا من
حديث حصين بن عمر الأحمسي عن مخارق، وليس حصين عند أهل الحديث بذاك القوي .اهـ
حصين بن
عمر الأحمسي : متروك متهم[12]
قال ابن تيمية
: فإن
الغش للنوع لا يكون مع محبتهم، بل لا يكون إلا مع استخفاف أو مع بغض .اهـ[13]
تنبيه : حديث الباب هو الأصل
في فضل العرب وما عداه متكلم فيه وأكثرها واه، وهي موزعة على أبواب "محجة
القرب" للعراقي
[1] اقتضاء
الصراط المستقيم 1 / 419 – 420
[2] اقتضاء الصراط
المستقيم 1 / 421 – 422
[3] مسائل حرب (القول بالمذهب)
3 / 976 – 977
[4] مسائل حرب 3 / 967
[5] اقتضاء الصراط
المستقيم 1 / 422
[6] أكتفي به
[7]
اقتضاء الصراط المستقيم 1 / 452 – 453
[8] اختصره الهيتمي في مبلغ الإرب في فضائل (فخر) العرب مطبوع بالعنوانين و
ذكره المؤلف في مقدمة كتابه
[9] المراسيل 177 ص : 50
[10] تقدمة الجرح والتعديل 1 / 130
[11] ميزان الاعتدال 3 / 367 – ترجمة : 6788
[12] ميزان الاعتدال 1 / 553 – ترجمة :
2087
[13] اقتضاء الصراط المستقيم 1 / 438
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق