بمناسبة عيد الفطر 1446
✍بوعلام محمد بجاوي
الحمد لله الذي جعلنا من أمة خير رسله وأفضلهم محمد صلى الله عليه وسلم
[كُنْتُمْ
خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ
عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ] [آل عمران: 110] [وَكَذَلِكَ
جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ
الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا] [البقرة: 142]
عن عبد الله بن عمر أنه
سمع رسول الله صلى الله عليه
وسلم يقول: إنما بقاؤكم في ما سلف قبلكم من الأمم كما بين صلاة
العصر إلى غروب الشمس، أوتي أهل التوراة التوراة، فعملوا حتى إذا انتصف النهار
عجزوا، فأعطوا قيراطا قيراطا
ثم أوتي أهل الإنجيل الإنجيل، فعملوا إلى صلاة
العصر، ثم عجزوا، فأعطوا قيراطا قيراطا
ثم أوتينا القرآن، فعملنا إلى غروب الشمس،
فأعطينا قيراطين قيراطين
فقال: أهل الكتابين: أي ربنا، أعطيت هؤلاء
قيراطين قيراطين، وأعطيتنا قيراطا قيراطا، ونحن كنا أكثر عملا؟ قال الله تعالى: هل ظلمتكم من أجركم من شيء؟
قالوا: لا، قال: فهو فضلي أوتيه من أشاء [خ/ 2268 و2269]
وحفظ الله لهذه الامة دينها، حفظ لها كتابه القرآن [إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ] [القيامة: 18 – 19]
فالقرآن بين دفتين لاتزال الأمة تنقله بالتواتر جيلا عن
جيل، والسنة في الدواوين، قد تولى علماء الحديث جمعها وتمييز صحيحها من ضعيفها، قال المزي أبو الحجاج يوسف بن عبد
الرحمن (ت: 742): فأما الكتاب
العزيز: فإن الله تعالى تولى حفظه بنفسه ولم يكل
ذلك إلى أحد من خلقه، فقال تعالى [إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ] فظهر مصداق
ذلك مع طول المدة، وامتداد الأيام، وتوالي الشهور، وتعاقب السنين، وانتشار أهل
الاسلام، واتساع رقعته
وأما
السنة: فإن الله تعالى وفق لها حفاظا عارفين،
وجهابذة عالمين، وصيارفة ناقدين، ينفون عنها تحريف الغالين، وانتحال المبطلين،
وتأويل الجاهلين، فتنوعوا في تصنيفها، وتفننوا في تدوينها على أنحاء كثيرة وضروب
عديدة، حرصا على حفظها، وخوفا من إضاعتها.اهـ[1]
وعقائد الدين وأحكامه ظاهرة رغم المشوشين من حين لآخر
يشككون المسلمين فيهما، لكن سرعان ما يذوبون كما يذوب الملح في الماء، شعائر الدين،
صلاة الجماعة والجمعة، والحج، ورمضان والعيدان، عيد الفطر فرحا بإتمام النعمة
بصيام رمضان وقيامه وقيام أعظم الليالي ليلة القدر، وعيد الأضحى شكرا لله على
نعمة بهيمة الأنعام لا يزال المسلمون يعظمون هذه الشعائر امتثالا لأمر الله [ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى
الْقُلُوبِ] [الحج: 32] يغيظ الله بهم الكفار، فليس في الأمم من يعظمون شعائرهم
ما تعظم هذه الامة شعائرها، فلا عجب ان يحسدها الحاسدون ويحقد عليها الحاقدون [وَدَّ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَوْ يَرُدُّونَكُمْ مِنْ بَعْدِ
إِيمَانِكُمْ كُفَّارًا حَسَدًا مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِهِمْ مِنْ بَعْدِ مَا
تَبَيَّنَ لَهُمُ الْحَقُّ فَاعْفُوا وَاصْفَحُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ
بِأَمْرِهِ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ] [البقرة: 109] ويغتنموا الضعف الذي أصابها بسبب اتباع كثير من هذه
الأمة الشبهات والشهوات، توالت الأعياد
على هذه الأمة وكم من جرح فيها ينزف، حتى طمع كثير من المسلمين في عدوهم أن
ينصرهم، أقصد المجوس المتسترين بالتشيع وحب آل بين النبوة، وهم أعظم مصائب
المسلمين، لا يضيعون فرصة للانتقام من أحفاد من أباد دولتهم وأطفأ نيران معابدهم،
وقد سبق ان حكم منهم بلاد المسلمين شرقها وغربها، فحكموا المغرب ابتداء من
القيروان، وانتقلوا إلى المشرق وهم العبيديون، الفاطميون زعما وكذبا، قال القاضي أبو الفضل عياض بن موسى اليحصبي (ت: 544): كان أهل السنة بالقيروان أيام بني عبيد في
حالة شديدة من الاهتضام والتستّر كأنهم ذمّة، تجري عليهم في كثرة الأيام محن
شديدة، ولما أظهر بنو عبيد أمرهم، ونصّبوا حسينا الأعمى السّاب – لعنه الله تعالى –
في الأسواق للسبّ بأسجاع لقّنها يوصل منها إلى سبّ النبي صلى الله عليه وسلم في ألفاظ حُفّظها، كقوله – لعنه الله تعالى – "العنوا الغار وما وعى والكساء وما
حوى" وغير ذلك، و علّقت رؤوس الأكباش والحمر على أبواب الحوانيت، عليها
قراطيس معلّقة، مكتوب فيها أسماء الصحابة، اشتدّ الأمر على أهل السنة، فمن تكلّم
أو تحرّك قتل ومثّل به، وذلك في أيام الثاني من بني عبيد و هو "إسماعيل"
الملقّب بـ "المنصور" – لعنه الله تعالى – سنة إحدى وثلاثين وثلاث
مائة.اهـ[2]
وفي حين يأس سخر الله من يخلص المسلمين منهم ويبيدهم
ويفرقهم في كهوف الجبال، ينتظرون فرصة أخرى لينتقموا من المسلمين، وهذا ما حدث
فظهر الصفيون في القرن العاشر الهجري تسلطوا على إيران وأدربيجان والعراق وفرضوا
التشيع أو المذهب الاثني عشري، وتحول هذا الجزء من العالم الإسلامي من السنة إلى
التشيع بعد أن كانت هذه البلاد بلاد السنة والحديث، فكثير من علماء الحديث منها،
منهم أصحاب الكتب الستة، وكانوا حربا على الدولة العثمانية يعيقون توسعها، إلى
أن جاء قضاء الله بسقوط دولتهم، وتعلم أعداء الإسلام من النصارى بغض الشيعة
للمسلمين وحقدهم عليهم فاستعملوهم، كما استعملوا اليهود ومنحوهم أشرف بقعة بعد مكة
والمدينة أعني أرض فلسطين، غرسوا الشيعة في الطرف الآخر أعني في إيران، ومما زاد
الطين بلة استيلاء الشيعة النصيرية على بلاد الشام، فتحالفوا ضد المسلمين عقودا
كثيرة فدخلت الأمة في محنة عظيمة وإن لم يشعر بها كثير من المسلمين الذين تسيرهم
عواطفهم وتخدعهم الشعارات، فقد أظهروا التباكي على فلسطين، وبدعوى محاربة اليهود
أنشؤوا جيوشا في بلاد المسلمين لبنان والعراق واليمن وفلسطين يوالونهم على حساب أمتهم
وأوطانهم يتحركون في خدمة مصالحهم ولو كان الثمن أمن بلادهم ودماء إخوانهم
وأعراضهم
وفي حين يأس أيضا من التخلص منهم منّ الله على المسلمين
بعودة الشام إلى أهل السنة وأهل الإسلام، وسلط على أحفاد الصفويين من يقطع أذرعها
في بلاد المسلمين، وها هي بلاد المسلمين بين متخلص منها وبين منتظر، فنحمد الله
تعالى ونشكره، ونسأله أن يتم النعمة علينا وعلى أهل الشام بالأمن والإيمان.
عباد الله قبل شهر استقبلنا شهرا عظيما، فإن من نعم الله
على هذه الأمة أن جعل لها أزمنة مباركة يضاعف فيها الثواب على العمل الصالح، ومنها
شهر رمضان [إِنَّا
أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ (1) وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ (2) لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ (3) تَنَزَّلُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِمْ مِنْ
كُلِّ أَمْرٍ (4) سَلَامٌ هِيَ
حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ (5)]
عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: من
صام يوما في سبيل الله بعد الله وجهه عن النار سبعين خريفا [خ/ 2840 - م/ 1153]
عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: من قام ليلة القدر إيمانا و احتسابا، غفر له
ما تقدم من ذنبه، ومن صام رمضان إيمانا و احتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه [خ/
38 لم يذكر ليلة القدر، 1901، 2014 – م / 175 - ( 759 ) من طريق يحيى بن كثير عن
أبي سلمة ]
وعنه أيضا: من قام رمضان إيمانا واحتسابا، غفر له ما تقدم
من ذنبه [خ/
37، 2009 – م/ 173 - (759) وبهذا اللفظ 174 - (759): من طريق الزهري عن أبي سلمة]
والناس فيه أصناف: منهم المحروم، الشهر وأيامه مثل غيره
من الأيام لم يزدد طاعة وعبادة، ومنهم الموفقون الذين اغتنموا نهاره صياما وليله
قياما، وأكثروا فيه من الذكر والعمل الصالح وأغاثوا بأموالهم الفقير والملهوف
اقتداء بنبيهم محمد صلى الله عليه وسلم
والناس بعده أصناف: منهم غير المبالي، ومنهم الحزين على
التفريط وعدم الاغتنام، ومنهم الفرح باجتهاده فيه واغتنامه، فأي الأصناف أنت يا
عبد الله
ثم أسقط هذا الحال على يوم القيامة، يوم التغابن، يعلم
المفرطون انهم غبنوا وخدعوا ولم يخدعهم سوى أنفسهم، آثروا الحياة الدنيا واستعجلوا
الراحة والمتعة على حساب آخرتهم، فكان مصيرهم النار والعذاب، أي ندم وأي حسرة هم
فيها يومئذ
عباد الله البدار البدار إلى الطاعات وترك المحرمات
واغتنام الأوقات الفاضلات، فما أقصر عمر الإنسان في الدنيا وسرعة انقضائه، وما
أطول الوقوف يوم القيام، وما أشد عذاب النار
اللهم اجمع شمل المسلمين ووحد كلمتهم وانصرهم على عدوك
وعدوهم، وأقر أعيننا بهلاك الظالمين تقبل الله منا ومنكم وغفر لنا ولكم وجعل ما
نستقبل خيرا مما استدبرنا
سبحانك اللهم وبحمد أشهد ألا إله إلا انت أستغفرك وأتوب إليك.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق