✍بوعلام محمد بجاوي
والملاحدة يتمسكون
بالفلسفة والفلاسفة، ويظنون أنهم ينكرون الرب الخالق، وإنكار الخالق قول شرذمة من ضعاف
العقول
قال الغزالي: هذا مع
حكاية مذهبهم [ الفلاسفة ] على وجهه؛ ليتين هؤلاء الملاحدة تقليدا اتفاق كل مرموق
من الأوائل والأواخر على الإيمان بالله واليوم الآخر، وأن الاختلافات راجعة إلى
تفاصيل خارجة عن هذين القطبين الذين لأجلهما بعث الأنبياء المؤيدون بالمعجزات،
وأنه لم يذهب إلى إنكارها إلا شرذمة يسيرة من ذوي العقول المنكوسة والآراء
المعكوسة الذين لا يؤبه لهم ولا يعبأ بهما في ما بين النظار، ولا يعدّون إلاّ من
زمرة الشياطين الأشرار، وغمار الأغبياء؛ ليكفّ عن غلوائه من يظن أن التجمل بالكفر تقليدا يدل على حسن رأيه،
ويشعر بفطنته وذكائه إذ يتحقق أن هؤلاء الذين يشتبه بهم من زعماء الفلاسفة
ورؤسائهم براء عما قذفوا به من جحد الشرائع، وأنهم مؤمنون بالله ومصدقون برسله،
وأنهم اختيطوا في تفاصيل بعد هذه الأصول، قد زلّوا فيها، فضلوا وأضلوا عن سواء
السبيل .اهـ[1]
وتبني الفلاسفة المتأخرون "فلاسفة
عصر النهضة والتنوير" للإلحاد، جعلهم يظنون أن متقدمي الفلاسفة كانوا
ملاحدة
وقد يُظن: التلازم
بين قدم العالم وإنكار الربّ، فمادام المشهور عن الفلاسفة المتقدمين قدم العالم أي
أنه بالضرورة ليس حادثا، ومادام ليس حادثا فليس له مُحدث، وهذا قول الملاحدة
وسبق أن الغزالي جعل
المنكرين للرب صنفا من ثلاثة أصناف للفلاسفة
قال: الصنف الأول: الدهريون، وهم طائفة من الأقدمين جحدوا الصانع
المدبر، العالم القادر، وزعموا: أن العالم لم يزل موجودا كذلك بنفسه، وبلا صانع،
ولم يزل الحيوان من النطفة، والنطفة من الحيوان، كذلك كان، وكذلك يكون أبدا، وهؤلاء
هم الزنادقة .اهـ[2]
وجعل الصنف الثالث: الإلهيون
قال: والصنف الثالث: الإلهيون
وهم المتأخرون منهم، مثل: سقراط – وهو أستاذ أفلاطون –، وأفلاطون – أستاذ أرسطاطاليس –، وأرسطاطاليس ... وهم بجملتهم ردّوا على الصنفين
الأولين من الدهرية، والطبيعية، وأوردوا في الكشف عن فضائحهم ما أغنوا به غيرهم،
وكفى الله المؤمنين القتال بتقاتلهم، ثم ردّ أرسطاطاليس على أفلاطون وسقراط ومن كان قبلهم من الإلهيين، ردا لم
يقصّر فيه حتى تبرأ عن جميعهم[3]، إلا أنه استبقى من رذاذ كفرهم،
وبدعتهم، بقايا لم يوفق للنزوع عنها، فوجب تكفيرهم وتكفير شيعتهم من المتفلسفة
الإسلاميين .اهـ[4]
الإلهيات عند الفلاسفة قبل سقراط:
كلام الفلاسفة عن الإلهيات مقصود تبعا، سبق
أن المقصود الأصلي هو الوجود نفسه، والكلام عن الإله كلام عن الموجد أو أصل
الأشياء لأجل تفسير الوجود
قال ابن
خلدون: وكذا نظر
الفيلسوف في "الإلهيّات": إنّما هو نظر في الوجود المطلق وما يقتضيه
لذاته ونظر المتكلّم في الوجود من حيث إنّه يدلّ على الموجد.اهـ[5]
اليونان شعب يؤمن بالخرافة وتعدد الآلهة، وهذا
لا يوافق عليه من يزعم التفكير وإعمال العقل
وأوائل الفلاسفة هم الفلاسفة الأيونيون نسبة إلى مدينة "أيونية" تقع
الآن في تركيا على الساحل الغربي
وأشهر هؤلاء الفلاسفة: المؤسس الأول للفلسفة "طاليس" ( ت : 624 ق م – 546 ق م ) وتلميذه "أناكسيماندر" ( ت : 610 ق م – 547 ق
م ) وتلميذه "إنكسمانس"
( ت : 588 ق م – 524 ق م ) وأناكساغوراس ( ت : 624 ق م – 546 ق
م )
والقدر المشترك بينهم أو بين أكثرهم: ردّ الوجود
إلى مصدر واحد محسوس – وبعضهم رده إلى أكثر من مصدر –، وهؤلاء لا يعدون في
الفلاسفة الإلهيين، لكن مذهبهم مهّد للإلهيين بإنكار الآلهة المتعددة وبإرجاع
الوجود إلى مصدر واحد
ذكر مذاهبهم ونقدها "أرسطو" في كتاب
"ما وراء الطبيعة" أو "الميتافيزيقا" وهو
مجموع مقالات متفرقة[6]
قال: إلا أننا سنحاول أن نستفيد من آراء أولئك
الذين سبقونا في البحث في مجال الوجود، وتفسلسفوا حول الحقيقة، فمن الواضح أنهم
أيضا قد توصّلوا إلى مبادئ وأسباب معينة .اهـ[7]
أصلهم: أن اللاشيء
لاينشأ ولا يوجد، فلا بد من مصدر للوجود دائم أزلي أبدي ومنه تكونت الأشياء، ثم
تتفكك وتعود إليه، فكل موجود لم يكن عدما ثم وجد بل أصله ذلك العنصر الدائم
الوجود، ولا يفنى بل يعود إليه
قال أرسطو: بالنسبة لأولئك الذين انخرطوا في العمل الفلسفي في بادئ الأمر اعتقد معظمهم
أن المبادئ المادية هي الأساس لكل الأشياء، والتي تكونت منها الأشياء كلها، والتي
منها ظهر كل شيء للوجود أوّل مرة، وإليها تتفكك الأشياء في النهاية، والتي يستمر
جوهرها في الوجود كما هو على الرغم مما طرأ عليه من تعديلات بسبب التأثيرات
الخارجية، وهذا ما يطلقون عليه عنصر الأشياء الموجودة وأصلها، حيت يعتقدون أن
اللاشيء لا ينشأ ولا يزول، حيث إن هذا النوع من الكيان الأولي يستمر في الوجود
... وعلى نفس المنوال اللاشيء لا يظهر إلى الوجود ولا يزول؛ لأنه يجب أن يكون هناك
كيان كينونة واحدة أو أكثر، والذي يبقى كما هو دائما، ومنه تنشأ كل الأشياء الأخرى
.اهـ[8]
القرآن والعلم الحديث "الأرض" 23
القرآن والعلم الحديث "الأرض" 01
[1] تهافت الفلاسفة ص: 11
[2] المنقذ من الضلال ص: 64
[3] في كتابه ما وراء
الطبيعة وهو مجموع مقالات مستقلة ويأتي النقل منه
[4] المنقذ من
الضلال ص: 65 – 67
[5] تاريخ ابن خلدون ( المقدمة )
1 / 590
[6] الاعتماد على
ترجمة عن الأصل اليوناني لـ محيي الدين محمد مطاوع تقديم مصطفى النشار
[7] ما وراء الطبيعة
ص: 34
[8] ما وراء الطبيعة ص: 34
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق