شرح تلقين القاضي عبد الوهاب 25
✍بوعلام محمد بجاوي
أدلة
الأحناف :
الدليل
الأول : الآية
لم تذكر النية في أية الوضوء
وعليه :
إيجاب النية زيادة على النص، والزيادة على
النص نسخ، ولا خبر متواتر ينسخ به القرآن
قال الجصاص : والحجة
في ذلك قول الله عزّ وجلّ } إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ فَاغْسِلُوا
وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ { [ المائدة : 6 ]، واسم الغسل لا ينطوي على النية، وهو فرض مستغن عن البيان، وفي إيجاب النية فيه : زيادة في النص، والزيادة في حكم النص يوجب
النسخ، لأن الآية تقتضي أن يكون غسل هذه الأعضاء طهارة صحيحة تامة يصح أداء الصلاة
بها، ومتى شرطنا فيها النية منعنا ما أباحته الآية، وهذا هو النسخ .اهـ[1]
قال الكاساني : نهى
الجنب عن قربان الصلاة إذا لم يكن عابر سبيل إلى غاية الاغتسال مطلقا عن شرط
النية، فيقتضي انتهاء حكم النهي عند الاغتسال المطلق، وعنده لا ينتهي إلا عند اغتسال مقرون بالنية، وهذا خلاف الكتاب .اهـ[2]
ويجاب عنه بمنع الأصل، الزيادة على النص
ليس نسخا أي رفعا للحكم و إنما بيان
قال ابن القصار : ليس
هذا - عندنا - زيادة، وإنما هو بيان، ألا ترى أنه قال - تعالى - } فمن شهد منكم الشهر فليصمه { [ البقرة : 185 ] ولم
يذكر نية، ثم بيّن النبي صلى الله عليه وسلم أن من شرطه النية ولم يكن ذلك نسخا .اهـ[3]
بدليل الصلاة والصيام
والزكاة زيد على ما في القرآن بخبر الواحد
وأجيب عنه : الصلاة والصيام والزكاة من المجمل الذي يحتاج إلى بيان
لهذا قال الجصاص "وهو فرض مستغن عن البيان"، لإخراج المجمل
شرعا كالصلاة والزكاة، ويأتي الكلام عنه
وقال : فإن قيل : قال الله تعالى } وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ {[ البقرة : 43 ]، واتفق المسلمون على أن من شرط صحتهما النية، ولم يوجب
ذلك نسخها، وإن كان فيه زيادة في حكمها.
قيل له : إن لفظ الصلاة والزكاة مجمل مفتقر
إلى البيان، فمهما ورد فيهما من حكم : فهو مراد باللفظ، إذ كان حكمهما غير لازم
بنفس ورود اللفظ بهما إلا بعد ورود البيان.
وأما فرض الوضوء فهو مفسر غير مفتقر إلى
البيان، فما ورد فيه من زيادة : فهو نسخ لما أوجبه اللفظ .اهـ[4]
وأجيب بأن النسخ بعد
استقرار الحكم، و إيجاب النية مقترن بإيجاب الوضوء
قال ابن القصار : الزيادة
لو كانت نسخا لكان ذلك حتى استقر الحكم، فأما ونحن نقول : إن إيجاب النية ورد
مقترنا مع القول أو مقرونا بوقت الحاجة فلا يكون نسخا .اهـ[5]
هذا على القول بأن
الآية تدل على النيّة، ومقصود الأحناف يلزم من إيجاب النية أن يكون نسخا وعليه لا
بد أن يكون الدليل الذي دلّ على وجوب النية متأخرا، وأن يكون قطعي الثبوت، لأن
الظني لا ينسخ القطعي
على التسليم بالأصل :
النية داخلة في عموم الغسل
أي إن الآية فيها تخصيص لا زيادة، وذلك أنها عامة في الغسل بنية وبغير نية
ثم خصص الغسل بنية بالحديث
وجوابه من وجهين :
التخصيص
و التقييد زيادة على النص
منع
العموم :
لا يوجد لفظ عام للغسل، وإنما العموم للمؤمنين، والغسل بلا نية لا يسمى
غسلا عند من يشترط النية، فلا يكون تخصيصا لأنه ليس داخلا في اللفظ
قال القدوري
: ولا
يقال : إيجاب النية يخصص لأن الغسل على ضربين، فإذا جَوَّزْنَا أحدهما فقد خصصنا
عمومها؛ وذلك لأن في الآية الغاسلين، وليس فيها غسل، والمخصص يتبع اللفظ دون
المعنى، ولا يجوز الغُسْل الجائز عندهم -كغسل الجنابة عندهم- لا يجوز كونه
غُسْلًا، وإنما يجوز بالنية، وهذا معنى الزيادة .اهـ[6]
النية زائدة على الغسل، وعليه الاستدلال بعموم لفظ الغسل
بعيد مع أنه لا يوجد لفظ عام للغسل وإنما الأمر به
النية مذكورة في قوله تعالى } إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ فَاغْسِلُوا { أي فاغسلوا
للصلاة
قال ابن القصار :
وأيضا قوله - تعالى - } إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ فَاغْسِلُوا
وُجُوهَكُمْ {، فتقديره عند أهل اللغة : فاغسلوا للصلاة،
فمتى غسل لتنظيف أو تبرد ولم يغسل للصلاة لم يفعل المأمور به، ومثال هذا: قوله - تعالى
- } الزانية والزاني فاجلدوا { [ النور : 2 ]، } وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا {[
المائدة : 38 ]، فكل هذا
جزاء، لأنه جواب الشرط بالفاء، وإنما يقطع لأنه سرق، ويجلد لأنه زنى، وكذلك قوله } وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُبًا فَاطَّهَّرُوا {، و إنما وجبت الطهارة لأنه جنب، لا للنظافة
والتبرد .اهـ[7]
وقال القاضي عبد الوهاب :
مفهومه للصلاة .اهـ[8]
وأجاب عنه الجصاص : ليس في "إذا أردت الصلاة فتوضأ"
نية الوضوء للصلاة
قال: فإن قيل: قوله تعالى } إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ فَاغْسِلُوا
وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ { يقتضي أن يكون الاغتسال
لها إذا أرادها، كما تقول : إذا أردت الحج فأحرم، وإذا أردت الصوم فانو: يعني له،
وإذا كان هذا مقتضى اللفظ، فقد تضمن إيجاب النية.
قيل له : ليس شرط وقوع الوضوء للصلاة أن
ينويه لها، ألا ترى أنه يصح أن يقال : إذا أردت أن تصلي فطهر بدنك وثوبك من
النجاسة واستر عورتك، ولم يقتض اللفظ إيجاب النية للصلاة[9]، كذلك الوضوء
وكما يقال : إذا أردت الخروج فالبس ثيابك، و
إذا سافرت فاركب الدابة، ولا يقتضي شيء من ذلك إيجاب النية .اهـ[10]
ثم إن المخالف لا يشترط نية الوضوء للصلاة،
و إنما يكفي نية رفع الحدث
قال الجصاص : وعلى أنه لا خلاف أنه لا يحتاج أن ينويه
للصلاة أو القيام إليها، وإنما قال مخالفنا ينوي به إزالة الحدث .اهـ[11]
وليس الوضوء جزاء للصلاة، حتى يقال توضأ
للصلاة أو لأجل الصلاة، لهذا يصح الوضوء ولو لم توجد الصلاة
قال الجصاص : فإن قيل : هذا كقولك : إذا سرق فاقطعه، و:
إذا زنى فاجلده: يريد إيقاعه له.
الإيجاب له من جهة المجازاة، وليس الوضوء
كذلك للصلاة
قال الجصاص : لم يقتض وقوعه له من جهة اللفظ، لكن من
جهة أنه لما خرج مخرج المجازاة، علم أن شرطه أن يقع له، وليس الوضوء جزاء للصلاة
فيقع لها، ألا ترى أن الوضوء يصح ولا صلاة واجبة، ولا يصح القطع للسرقة والجلد
للزنى ولما يوجد الزنى ولا السرقة .اهـ[12]
وأجيب عنه بأن الطهارة وجبت للصلاة كما وجب
الحد للزنى أو السرقة
قال ابن القصار :
فإن قيل: فإن هذه الآية مخالفة لقوله - تعالى - } الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي {، ومفارقة لقوله عليه السلام : إذا زنى وهو
محصن فارجموه. لأن ذلك على طريق الجزاء، ولا خلاف بيننا أن الطهارة ليست جزاء
للصلاة.
قيل: إن قولنا : جزاء وجواب للشرط نريد به
أن هذا الشيء إنما وجب لأجل كذا وكذا، فنقول : إن الطهارة وجب أن تفعل لأجل
الصلاة، وهذا عمدة من الأدلة .اهـ[13]
[1] شرح مختصر الطحاوي 1 / 302 – 303 المبسوط للسرخسي 1
/ 72 التجريد 1 / 101
[2] بدائع الصنائع
1 / 19 – 20
[3] عيون الأدلة 1 / 121
[4] شرح مختصر الطحاوي 1 / 303
[5] عيون الأدلة 1 / 121
[6] التجريد 1 / 101
[7] عيون الأدلة 1
/ 105 المقدمات الممهدات 1 / 75
[8] الإشراف على نكت مسائل الخلاف 1 / 116
المعونة 1 / 119
[9] هكذا والأقرب النية لطهارة البدن والثوب
[10] شرح مختصر الطحاوي 1 / 303 – 304 التجريد
1 / 101
[11] شرح مختصر الطحاوي 1 / 304 التجريد 1 / 101
[12] شرح مختصر الطحاوي 1 / 304
[13] عيون الأدلة 1 / 106
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق