الأربعاء، 17 يونيو 2020

الرياض المزهرات في شرح البردة والمعلقات 14

الرياض المزهرات في شرح البردة والمعلقات 14
الرياض المزهرات في شرح البردة والمعلقات
14

بوعلام محمد بجاوي

ثم ذكر أمثلة لمن هذا حالهم ووصفهم:  

قال : وأي موقف أخزى لصاحبه :

من موقف رجل من الكتاب اصطفاه بعض الخلفاء لنفسه وارتضاه لسرّه، فقرأ عليه يوما كتابا وفي الكتاب "ومطرنا مطرا كثر عنه الكلأ" فقال له الخليفة ممتحنا له : وما الكلأ ؟ فتردّد في الجواب وتعثر لسانه، ثم قال: لا أدري، فقال : سل عنه؟ .اهـ[1]

الخليفة هو : المعتصم

قال البطليوسي : ويروى أن المعتصم – وهو محمد بن هارون الرشيد، ويكنى أبا إسحاق – كان قليل البضاعة من الأدب. ويزعمون أن أباه كان عنى بتأديبه في أول أمره، فمرت به جنازة لبعض الخدم فقال : ليتني كنت هذه الجنازة؛ لأتخلص من همّ المكتب[2]، فأخبر بذلك أبوه، فقال: والله لا عذبته بشيء يختار الموت من أجله، وأقسم ألا يقرأ طول حياته .اهـ[3]

والكاتب هو : أحمد بن عمار بن شاذي المذاري على الصحيح

قال البطليوسي : قال ابن القوطية [ أبو بكر محمد بن عبد العزيز ( ت : 367 ) له " شرح على أدب الكاتب" ]: هذا الرجل هو محمد بن الفضل. وهذا غلط، لأن محمد بن الفضل، إنما وزر لـ "المتوكل" وكان شاعرا كاتبا حلو الشمائل، عالما بالغناء، وولى الوزارة أيضا في أيام "المستعين". والخليفة المذكور هاهنا إنما هو المعتصم. وقال أبو علي البغدادي [ القالي إسماعيل بن القاسم ( ت :  356 ) ] : هذا الكتاب هو أحمد بن عمار. وكذا قال الصولي [ محمد بن يحيى بن عبد الله بن العباس بن محمد بن صول ( ت : 335 ) له "أدب الكاتب- مطبوع ] وقد قيل : هو الفضل بن مروان. والمشهور أنه أحمد بن عمار، وكان وزير المعتصم. وكان الفضل بن مروان هو الذي عنى به، حتى استوزره المعتصم

وكان الفضل بن مروان وأحمد بن عمار، لا يحسنان شيئاً من الأدب .اهـ[4]

قال البطليوسي : ورد عليه [ المعتصم ] كتاب عامل الجبل. يذكر فيه خصب السنة، وكثرة الغلات، وأنهم مطروا مطرا كثر عنه الكلأ. فقال لابن عمار: ما الكلأ ؟ فتردد في الجواب، وتعثر لسانه، ثم قال: لا أدري. فقال المعتصم : إن لله وإنا إليه راجعون! أخليفة أمي، وكاتب أمي ؟ .اهـ[5]

ثم دعا المعتصم من يشرح الكتاب، "أدخلوا عليّ من يقرب منا من الكتاب فعرف مكانة محمد بن عبد الملك الزيات، من الأدب، وكان يتولى قهرمة الدار[6]، ويشرف على المطبخ، ويقف في الدار وعليه دراعة سوداء، فأمر بإدخاله عليه، وقال له: ما الكلأ ؟ فقال : النبات كله رطبه ويابسة، و الرطب منه خاصة، يقال له: خلا. واليابس منه: يقال له حشيش، ثم اندفع يصف له النبات من حين ابتدائه إلى حين اكتهاله إلى حين هيجه، فاستحسن المعتصم ما رأى منه، وقال : ليتقلد هذا الفتى العرض عليّ، فكان ذلك سبب ترقيه إلى الوزارة .اهـ[7]

ثم قال : ومن مقام آخر في مثل حاله قرأ على بعض الخلفاء كتابا ذكر فيه "حاضر طيء" فصحّفه تصحيفا أضحك منه الحاضرين .اهـ[8]

حاضر طيء :

قال الإسكندري أبو الفتح نصر بن عبد الرحمن ( ت : 561 ) : موضع بالشام[9]

و قال الحموي أبو عبد الله ياقوت بن عبد الله الرومي ( ت : 626 ) : حاضر طيء : كانت طيء قد نزلته قديما بعد حرب الفساد الذي كان بينهم حين نزل الجبلين منهم من نزل، فلما ورد عليهم أبو عبيدة أسلم بعضهم وصالح كثير منهم على الجزية، ثم أسلموا بعد ذلك بيسير إلا من شذّ منهم .اهـ[10]

وطيء : قبيلة عربية قحطانية يمانية

قال القلشندي أبو العباس أحمد بن علي ( ت : 821 ) : بنو طي - بفتح الطاء وتشديد الياء وهمزة في الآخر - قبيلة من كهلان من القحطانية ( يمنية )، وهم بنو طي بن أدد بن زيد بن يشجب بن عريب بن زيد بن كهلان ... والنسبة إليهم طائي، وإليهم ينسب حاتم الطائي المشهور بالكرم، و أخباره أشهر من أن تذكر... قال في العبر[11] : وكانت منازلهم باليمن فخرجوا منه على أثر الأزد إلى الحجاز[12] ونزلوا سميراً[13]، و فَيْد[14] في جوار بني أسد ثم غلبوهم على أجأ وسلمى، وهما جبلان في بلادهم يعرفان الآن بجبلي طي، فاستمروا وافترقوا في أول الإسلام في الفتوحات.

قال ابن سعيد [ أبو الحسن على بن موسى بن سعيد المغربي ( ت : 685 ) ]: في بلادهم الآن أمم كثيرة تملأ السهل والجبل حجازاً وشاما وعراقا، قال: وهم أصحاب الرياسة في العرب إلى الآن بالعراق والشام، وبمصر منهم بطون .اهـ[15]

و في كلام البطليوسي و الجواليقي "حاضر طيء" من حضر منهم

قال البطليوسي : هذا الكاتب الثاني : هو شجاع بن القاسم، كاتب أوتامش التركي، وكان يتولى عرض الكتب على "المستعين أحمد بن محمد المعتصم"، وكان جاهلا لا يحسن القراءة، إلا أنه كان ذكيا، تقرأ عليه عشرة كتب، فيحفظ معانيها، ويدخل إلى "المستعين" يسامره فيها، ولا يغلط في شيء منها.

وكان يصور له الحرف فيكتب مثاله، فقرأ على "المستعين" كتاباً كلفه قراءته، وكان فيه "حاضر طي"، وطي قبيلة من قبائل اليمن، وحاضرهم من حضر منهم، فصحفه وقال : جاء ضرطي، والضرط : لغة في الظرط فضحك "الـمُستعين" .اهـ[16]

الرياض المزهرات في شرح البردة والمعلقات 15

الرياض المزهرات في شرح البردة والمعلقات 01

صفحة الادب


[1] أدب الكاتب ص: 12 - 13

[2] مثل المدرسة اليوم

[3] الاقتضاب 1 / 70 شرح الجواليقي ص: 38

[4] الاقتضاب 1 / 68 – 69 وينظر فيه تتمة كلامه شرح الجواليقي ص: 38 – 39

[5] الاقتضاب 1 / 70 شرح الجواليقي ص: 39

[6] خدمة الدار

[7] الاقتضاب 1 / 70 – 71 شرح الجواليقي ص: 39

[8] أدب الكاتب ص: 13

[9] الأمكنة والمياه والجبال ونحوها المذكورة في الأخبار والأشعار ص : 172

[10] معجم البلدان 2 / 207

[11] ابن خلدون في تاريخه المسمى : "العبر و ديوان المبتدأ والخبر في تاريخ العرب والبربر ومن عاصرهم من ذوي الشأن الأكبر"

[12] الأزد – ومنهم الأوس والخزرج – و طيء : من بني كهلان بن سبأ - وكهلان أخو حِمْيَر –، خرجت الأزد من اليمن ثم خرجت بعدهم طيء.قال ابن سعيد : وهي الرحى الجليلة التي نزلت حين خرجت من اليمن بعد سيل العرم على بني أسد، فحاربتها إلى أن اصطلحتا على الجوار، فحلت طيء بجبلي أجأ وسلمى من نجد الحجاز إلى اليوم، وانتشرت في الأقطار، ولها اليوم دولة العرب بالحجاز والشام. اهـ نشوة الطرب في تاريخ جاهلية العرب ص: 222 "دولة العرب" : المقصود : لها الرياسة كما ذكر القلشندي

[13] سميرا وسميراء : قال الحموي : سميراء : بفتح أوّله، وكسر ثانيه، بالمد[اء]، وقيل بالضم، يسمى برجل من عاد يقال له سميراء: وهو منزل بطريق مكّة بعد توز مصعدا وقبل الحاجز، قال السكوني [ أحمد بن الحسن بن إسماعيل أبو عبيد الله الكندي النسابة ]: حوله جبال وآكام سود بذلك سمي سميراء، وأكثر الناس يقوله بالقصر [سميرا]، وقيل: هما موضعان، المقصور منهما هو الذي في طريق مكّة وليس فيه إلّا الفتح .اهـ معجم البلدان 3 / 255 – 256 ولا تزال إلى اليوم

[14] فيد : قال السكوني : فيد نصف طريق الحاجّ من الكوفة إلى مكة، وهي أثلاث: ثلث للعمريّين وثلث لآل أبي سلامة من همدان وثلث لبني نبهان من طيّء اهـ بواسطة معجم البلدان 4 / 282

[15] نهاية الأرب في معرفة أنساب العرب ص: 326

[16] الاقتضاب 1 / 72 شرح الجواليقي ص: 39


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق