النبوات وفضائل نبينا محمد صلى الله عليه وسلم 02
✍بوعلام محمد بجاوي
و ختمهم بمحمد صلى الله عليه وسلم أفضل خلقه على الإطلاق { و ما أرسلناك إلا رحمة للعالمين } [ الأنبياء 107 ] { و لكن رسول الله و خاتم النبيـين } [ الأحزاب 40 ]
فأنقد الله به من الضلالة و هدى به إلى الحق، فكان أعظم نعم الله على عباده
قال الشافعي : فلمّا بلغ الكتاب أجله فحُمّ قضاء الله بإظهار دينه الذي اصطفاه بعد استعلاء معصيته التي لم يرض فتح أبواب سماواته برحمته، كما لم يزل يجري في سابق علمه عند نزول قضائه في القرون الخالية قضاؤُه، فإنه تبارك و تعالى يقول { كان الناس أمّة واحدة فبعث الله النبيـين مبشرين و منذرين } [ البقرة 213 ] فكان خيرتُه المصطفى لوحيه، المنتخب لرسالته المفضَّل على جميع خلقه، بفتح رحمته و ختم نبوّته، و أعم ما أرسل به مرسل قبله، المرفوعُ ذكره مع ذكره في الأولى، و الشافع المشفّع في الأخرى، أفضل خلقه نفسا، و أجمعهم لكل خلق رضيه في دين و دنيا، و خيرهم نسبا و دارا محمداً عبده و رسوله صلى الله عليه وسلم و رحم و كرّم، و عرّفنا و خلقه نعمه الخاصّة، العامّة النفع في الدين و الدنيا به، فقال { لقد جاءكم رسول من أنفسكم عزيز عليه ما عنتم حريص عليكم بالمؤمنين رؤوف رحيم } [ التوبة 128 ] و قال { لتنذر أمّ القرى و من حولها } [ الشورى 7 ] و أمّ القرى مكة، و فيها قومه، و قال { و أنذر عشيرتك الأقربين } [ الشعراء 214 ] و قال { و إنه لذكر لك و لقومك و سوف تسألون } [ الزخرف 44 ] ...
و أنزل عليه كتابه، فقال { و إنه لكتاب عزيز لا يأتيه الباطل من بين يديه و لا من خلفه تنزيل من حكيم حميد } [ فصلت 41 ، 42 ] فنقلهم به من الكفر و العمى إلى الضياء و الهدى، و بيّن فيه ما قد أحلّ مَنّا بالتوسعة على خلقه، و ما حرّم، لما هو أعلم به من حظّهم في الكفّ عنه في الآخرة و الأولى . اهـ[1]
و قال ابن تيمية : فهدى الله الناس ببركة محمد صلى الله عليه وسلم و بما جاء به من البينات و الهدى هداية جلّت عن وصف الواصفين و فاقت معرفة العارفين، حتى حصل لأمته المؤمنين عموما و لأولي العلم منهم خصوصا من العلم النافع و العمل الصالح و الأخلاق العظيمة و السنن المستقيمة ما لو جمعت حكمة سائر الأمم علما و عملا الخالصة من كل شوب إلى الحكمة التي بعث بها لتفاوتا تفاوتا يمنع معرفة النسبة بينهما، فلله الحمد كما يحب ربنا و يرضى . اهـ[2]
و قال ابن رجب : فلما طبّق الشرك أقطار الأرض، و استطار شره في الآفاق من المشرق إلى المغرب بعث الله محمدا صلى الله عليه وسلم بالحنفية المحضة و التوحيد الخالص - دين إبراهيم عليه السلام - و أمره أن يدعو الخلق كلهم إلى توحيد الله و عبادته وحده لا شريك له، فكان يدعوا إلى ذلك سرا ثلاث سنين، فاستجاب له طائفة من الناس، ثم أُمر بإعلان الدعوة و إظهارها، و قيل { فاصدع بما تؤمر } [ الحجر : 94 ] فدعا إلى الله و إلى توحيده و عبادته وحده لا شريك له جهرا، و أعلن الدعوة و ذمّ الآلهة التي تعبد من دون الله، و ذمّ من عبدها و أخبر أنه من أهل النار، فثار عليه المشركون و اجتهدوا في إيصال الأذى إليه و إلى أتباعه، و في إطفاء نور الله الذي بعثه به، و هو لا يزداد إلا إعلانا بالدعوة و تصميما على إظهارها و إشهارها و النداء بها في مجامع الناس …
فلم يزل صلى الله عليه وسلم يدعو إلى الله و إلى توحيده و عبادته وحده لا شريك له حتى ظهر دين الله و علا ذكره و توحيده في المشارق و المغارب و صارت كلمة الله هي العليا و دينه هو الظاهر و توحيده هو الشائع و صار الدين كله لله و الطاعة كلها له، و دخل الناس في دين الله أفواجا، فجعل ذلك علامة على قرب أجله، و أمر حينئذ بالتهيؤ للقاء الله و النقلة إلى دار البقاء، و كأنّ المعنى أن قد حصل المقصود من إرسالك، و ظهر توحيدي في أقطار الأرض و زال منها ظلام الشرك و حصلت عبادتي وحدي لا شريك لي، فأنا أستدعيك إلى جواري لأجزيك أعظم الجزاء { و للآخرة خير لك من الأولى و لسوف يعطيك ربك فترضى } [ الضحى : 4 – 5 ] .اهـ[3]
و أظهر صدقهم – إضافة إلى ما شاع من صدقهم وحسن خلقهم – بالمعجزات التي يعجز عنها الإنس و الجن، وخصّ آخرهم و أفضلهم محمدا صلى الله عليه وسلم بأكبر معجزة لا تنقضي بانقضاء الأيام، وهي "القرآن"
قال أبو عبد الله محمد بن أحمد بن محمد بن يعقوب بن مجاهد الطائي ( ت : في حدود 370 ) – أحد أصحاب الأشعري – : ثم إن الله عزّ وجلّ بعد إقامة الحجج عليهم أزعج خواطر جماعتهم للنظر فيما دعاهم إليه و نبههم عليه بالآيات الباهرة و المعجزات القاهرة، و أيّده بـ "القرآن" الذي تحدى به فصحاء قومه الذين بعث إليهم لـمّا قالوا إنه مفتر أن يأتوا بعشر سور مثله مفتريات أو بسورة مثله – و قد خاطبهم فيه بلغتهم – فعجزوا عن ذلك مع إخباره له أنهم لا يأتون بمثله و لو تظاهر على ذلك الإنس و الجن، و قطع عليه السلام عذرهم به و عذر غيرهم كما قطع موسى عليه السلام عذر السحرة و غيرهم في زمانه بالعصى التي فضحت سحرهم و بان بما كان منها لهم و لغيرهم أن ذلك من فعل الله، و أن هذا ليس يبلغه قدرهم، و لا يطمع فيه خواطرهم، و كما قطع عيسى عليه السلام عذر من كان في زمانه من الأطباء الذين برعوا في معرفة العقاقير و قواما في الحشائش و قدر ما ينتهي إليه علاجهم و تبلغه حيلهم بإحياء الموتى بغير علاج، و إبراء الأكمه و الأبرص و غير ذلك مما قهرهم به، و أظهر لهم منه ما يعلمون بيسير الفكر أنه خارج عن قدرهم و ما يصلون إليه بحيلهم
و كذلك قد أزاح نبينا صلى الله عليه وسلم بـ "القرآن" و ما فيه من العجائب علل الفصحاء من أهله، و قطع عذرهم لمعرفتهم أنه خارج عما انتهت إليه فصاحتهم في لغاتهم و نظموه من شعرهم و بسطوه في خطبهم ...
و قد أكّد الله تعالى دلالة نبوته بما كان من خاصّ آياته عليه السلام التي نقض بها عاداتهم كإطعامه الجماعة الكثيرة و سقيم الماء في العطش الشديد من الماء اليسير و هو ينبع من بين أصعابه حتى رَووا و رَوِيت مواشيهم، و كلام الذئب، و أخبار الذراع المشوية أنها مسمومة و انشقاق القمر و مجيء الشجرة إليه عند دعائها إليه و رجوعها إلى مكانها بأمره لها، و إخباره لهم عليه السلام بما تجنه صدورهم و ما يغيبون به عنه من أخبارهم ...
فعصمه الله منهم مع كثرتهم و شدّة بأسهم، و ما كانوا عليه من شدّة عنادهم و عداوتهم له حتى بلغ رسالة ربه تعالى إليهم مع كثرتهم و وحدته، و تبرّي أهله منه، و معاداة عشيرته . اهـ[4]
الهوامـــــش
[1] الرسالة 1 / 3 – 5 – الأم
[2] اقتضاء الصراط المستقيم 1 / 75
[3] الحكم الجديرة بالإذاعة 133 - 138
[4] رسالة إلى أهل الثغر – المنسوب إلى الأشعري - 165 – 175
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق