القرآن والعلم الحديث "الأرض" 30
✍بوعلام محمد بجاوي
ويسمى "المثال" أو "الأفكار" أي "عالم
المثل" أو "عالم
الأفكار"
عالم المثل: لأنه المعنى الكلّي، مثل معنى الإنسان المطلق ومعنى الجمال
المطلق، فالصانع يخلق إنسانا بالنظر إلى المثال وهو الإنسان المطلق
وسمّى "عالم الأفكار": لأن المثال فكرة
والعقل ينفي وجود المطلق في الواقع، وإنما يتصوره الذهن، وهكذا هي
العقليات المزعومة في الإلهيات منافية لبداهة العقول، ولكنهم يتّهمون مخالفهم بأنه
يقيس على المحسوس، لا يستطيع أن يتصوّر وجود المعنى الكلي
المثال نوعان: الدائم والحادث
النظر في الدائم يوجد صورة حسنة أي خلقا محسوسا صالحا، والنظر في
الحادث وهو جسم يولّد صورة ناقصة أو قبيحة أو سيئة
الدائم: ما ليس جسما أو محسوسا، أعطاه صفة الإله أي أنه أبديّ دائم شريك
للإله في الديمومة
والحادث: ما كان جسما محسوسا
فالأول يشبه في صفته الصانع أو الإله
الصانع أو الإله: ينظر في
المثال الدائم، وعليه ما يصنعه فهو جميل
غيره: ينظر
إلى المثال الحادث، وعليه ما يصدر عنه قبيح
والعالم: جميل، وإذا كان كذلك فمبدعه هو
الدائم بالنظر إلى المثال الدائم
قال: مهندس العالم قد صنع العالم يا ترى بالنظر إلى أيٍّ من المثالين:
بالنظر إلى المثال الثابت غير المتحول؟
أم بالنظر إلى المحدث؟
فإن:
كان هذا العالم جميلا
ومبدعه صالحا
فجليّ أنه كان ينظر في صنعه إلى المثال الأزليّ
وإن كان أمر لا يحلّ لأحد حتى النطق به: فقد كان ينظر إلى المثال
المحدث
ولكنه واضح لكل عاقل أنه كان ينظر إلى المثال الأزلي؛ لأن العالَم هو
أبهى الصائرات، ومبدعه خير العلل، وإذا أحدث على هذا النحو، فهو يدرك
بالعقل والفهم، وقد أبدع طبقا للمثال الثابت.اهـ[1]
وقال: فلنقل لأيّة علة أنشأ المنشئ الصيرورة، وهذا الكلّ برمته، لقد كان
صالحا، والصالح لا يداخله حسد ما بشأن أيّ شيء، ولما خلا من الحسد أراد أن تحدث
جميع الأشياء وهي تدانيه أعظم مداناة، وقد يقبل المرء أتمّ القبول من أناس حكماء
أن هذا مبدأ الصيرورة، ومبدأ العالم الأسمى، ويصيب كلّ الإصابة في قبوله.اهـ[2]
العالم صورة عالم ما:
وهو نتيجة ما سبق
قال: ولما كانت الأمور على هذا النحو، فالضرورة الحتمية تقضي إذن بأن
يكون هذا العالم صورة عالم ما.اهـ[3]
الفرق بين المثال والصورة في إدراكه:
المثال: لا بد له من القطع، أي البرهان الذي لا يحتمل التشكيك
وعليه لا يمكن لإنسان أن يدرك على الحقيقة الصانع والمثال الدائم،
وهذا الذي سبق ذكره ونقله عن الفلاسفة أنه لا يمكن القطع في باب الإلهيات
الصورة: براهينها ظنية، ويدخلها الاعتراض والتشكيك
وفي الحالتين: لا يطالب بالدليل القطعي؛ لأنه ينافي طبيعة الإنسان البشرية
فأقوالهم كلها تخمين، بل أباطيل، لا علاقة لها بالمعقول
قال: فاكتشاف صانع هذا العالم وأبيه عمل شاق، ويستحيل على مكتشفه أن يفضي باكتشافه
إلى الجميع.اهـ[4]
وقال: وأعظم كل شيء أن يبتدئ المرء بدءا طبيعيا، فلا بدّ إذن من أن نميّز
بشأن الصورة ومثالها التمييز التالي: وهو أن المقالات والبراهين تمُتُّ بصلة القرابة إلى الأمور
التي تفسّرها وتبرهن هي عنها:
فالثابت إذن والراسخ والواضح بعد إدراك العقل له: تلزمه براهين ثابتة لا تتحوّل،
ويليق قد الإمكان أن تقوم هذه البراهين على أقوال لا تدحض ولا تقهر أو تتزعزع،
وألا ينقصها شيء من القوّة والمتانة.
أما براهين ما يماثل ذلك الثابت [صورة المثال]: فتكون محتملة ومجارية البراهين
الأولى من باب المماثلة؛ لأن المماثل صورة الموجود، والحقيقة هي بالنظر إلى الاعتقاد
والظن، ما هو الكيان بالنظر إلى الحدوث والصيرورة[5].
فلا تعجب إذن يا "سقراط" إن لم نتمكن جيدا من أن نتفق بعضنا مع بعض في أقوالنا تمام
الاتفاق ومن كل وجه، ومن أن نضبط كل الضبط براهيننا في أمور كثيرة تتعلّق بالآلهة وبحدوث
الكلّ، ولكن إن قدّمنا من تلك البراهين ما لا يقلّ عن غيره في
مداناة الحقيقة فعلينا أن نرضى به، ذاكرين أن لنا طبيعة بشرية، أنا المتكلّم فيكم
وأنتم المحكّمين، ومن ثمّ يجدر بنا إن قدمنا بشأن الآلهة وحدوث الكل حديثا محتملا
ألا نلتمس من بعده حديثا يبدّه ثابتا.اهـ[6]
المتكلمون وافقوا الفلاسفة على أن الإلهي لا بد له من دليل قطعي،
وخالفوهم في التمكن منه، الفلاسفة يقولون لا يمكن حتى في المحسوسات أو الصور،
والمتكلمون يقولون يمكن
خلاصة كلام "طيماوس": نظر الصانع إلى المثال الدائم فكان هذا العالم، ثم تكلم في
صفة العالم وكيف خلقه الصانع:
العالم كان في أوّل أمره فوضى:
فالإله لما نظر في المثال الدائم نقل العالم
من الفوضى إلى النظام، يحتمل:
أنه لم يخلق من عدم، وإنما كان العالم
موجودا لكن فوضى، لكن لم يكن مادة ولم يكن محسوسا؛ لأنه لو كان كذلك كان حادثا
أو أنه لما نظر في المثال خلق العالم فوضى،
ثم رتّبه
قال: لأنّ الله لما أراد أن تحدث جميع الأشياء جيدة، وألا يكون شيء منها خبيثا تناول بعد هذا التصميم كل ما كان مرئيا غير هادئ لا بل مضطربا ومصطخبا متشوشا، ونقله من الفوضى إلى النظام معتقدا أن حالة النظام أفضل على كل وجه من حالة الفوضى، ولم يكن حلالا، ولا يحلّ الآن لأفضل الكائنات أن يصنع شيئا ما لم يكن أبهى الأشياء.اهـ[7]
القرآن والعلم الحديث "الأرض" 31
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق