✍بوعلام محمد بجاوي
واختار
التفسير الأول
قال : قال :
والقول الذي ذكرناه عن ابن عباس من أن الله تعالى خلق الأرض، وقدّر فيها أقواتها،
ولم يدحها، ثم استوى إلى السماء فسواهن سبع سموات، ثم دحا الأرض بعد ذلك، فأخرج
منها ماءها ومرعاها، وأرسى جبالها، أشبه لما دلّ عليه ظاهر التنزيل؛ لأنه – جل
ثناؤه – قال } والأرض بعد
ذلك دحاها {
والمعروف من معنى "بعد" أنه خلاف معنى "قبل"،
وليس في دحو الله الأرض بعد تسويته السماوات السبع، وإغطاشه ليلها، وإخراجه ضحاها،
ما يوجب أن تكون الأرض خلقت بعد خلق السماوات، لأن الدحو إنما هو البسط في كلام العرب، والمد .اهـ[1]
وحكى ابن قتيبة في
مقدمة "تأويل مشكل القرآن" دعوى التناقض
قال : وكان
مما بلغنا عنهم : أنهم يحتجون بقوله عزّ وجلّ ] ولو كان من
عند غير الله لوجدوا فيه اختلافا كثيرا [ [ النساء : 82 ] و بقوله ] لا يأتيه
الباطل من بين يديه ولا من خلفه [ [ فصلت: 42 ] ...
وقالوا: وهل التناقض :
إلا مثل
قوله ] فيومئذ لا
يسأل عن ذنبه إنس ولا جان [ [ الرحمن : 39 ] وهو يقول
في موضع آخر ] فو ربك
لنسئلنهم أجمعين . عما كانوا يعملون [ [ الحجر : 92، 93 ]
ومثل قوله ] هذا يوم لا
ينطقون . ولا يؤذن لهم فيعتذرون [ [ المرسلات : 35، 36 ] ويقول في
موضع آخر ] ثم إنكم يوم
القيامة عند ربكم تختصمون [ [ الزمر : 31 ] ويقول ] هاتوا
برهانكم إن كنتم صادقين [ [ البقرة : 111 ]
ومثل قوله ] وأقبل بعضهم
على بعض يتساءلون [ [ الطور : 25، والصافات : 27 ] وهو يقول
في موضع آخر ] فلا أنساب
بينهم يومئذ ولا يتساءلون [ [ المؤمنون : 101 ]
ومثل [ وهو
المثال الذي مثلنا به ] قوله ] قل أإنكم لتكفرون بالذي خلق الأرض في
يومين وتجعلون له أندادا ذلك رب العالمين [ [ فصلت : 9 ] وقال بعد ذلك ] ثم استوى إلى
السماء وهي دخان فقال لها وللأرض ائتيا طوعا أو كرها قالتا أتينا طائعين فقضاهن
سبع سماوات في يومين [ [ فصلت : 11، 12 ] فدلت هذه
الآية على أنه خلق الأرض قبل السماء. وقال في موضع آخر ] أأنتم أشد
خلقا أم السماء بناها . رفع سمكها فسواها [ [ النازعات : 27، 28 ] ثم قال ] والأرض بعد
ذلك دحاها [ [ النازعات : 30 ] فدلت هذه الآية على أنه خلق السماء قبل
الأرض.
ومثل قوله ] ليس لهم طعام
إلا من ضريع [ [ الغاشية : 6 ] وهو يقول
في موضع آخر ] فليس له
اليوم هاهنا حميم . ولا طعام إلا من غسلين [
والضريع : نبت،
فهل يجوز أن يكون في النار نبات وشجر، والنار تأكلهما ؟
ومثل قوله
تعالى ] وما كان الله
ليعذبهم وأنت فيهم وما كان الله معذبهم وهم يستغفرون [
[ الأنفال : 33 ] ثم قال على
أثر ذلك ]
وما لهم ألا
يعذبهم الله وهم يصدون عن المسجد الحرام [
[ الأنفال : 34 ] .اهـ[2]
ثم ذكر
نوعا آخر من التناقض بين أول الكلام وأخره أو لا علاقة بينهما :
قال : ومثل
قوله تعالى ] وما كان الله
ليعذبهم وأنت فيهم وما كان الله معذبهم وهم يستغفرون [ [ الأنفال : 33 ] ثم قال على أثر ذلك ] وما لهم ألا
يعذبهم الله وهم يصدون عن المسجد الحرام [ [ الأنفال : 34 ]
وقالوا :
فأين قوله ] وإن خفتم ألا
تقسطوا في اليتامى [،
من قوله ] فانكحوا ما
طاب لكم من النساء مثنى وثلاث ورباع [ [ النساء : 3 ]
وأين قوله ] جعل الله
الكعبة البيت الحرام قياما للناس والشهر الحرام والهدي والقلائد [ من قوله ] ذلك لتعلموا أن الله يعلم ما في
السماوات وما في الأرض وأن الله بكل شيء عليم [ [ المائدة : 97 ]
وأين قوله ] ألم تر أن
الفلك تجري في البحر بنعمت الله ليريكم من آياته [ من قوله ] إن في ذلك لآيات لكل صبار شكور [ [ لقمان : 31 ] أو ليس هذا
مما يستوي فيه الصبار والشكور وغير الصبار والشكور ؟
وما معنى
قوله ] كمثل غيث أعجب الكفار نباته [ [ الحديد : 20 ] ولم خص
الكفار دون المؤمنين ؟ أو ليس هذا مما يستوي فيه المؤمنون والكافرون، ولا ينقص
إيمان المؤمنين إن أعجبهم ؟
وقالوا في
قوله عزّ وجلّ ] خالدين فيها
ما دامت السماوات والأرض إلا ما شاء ربك [ [ هود : 107 ] استثناؤه
المشيئة من الخلود، يدل على الزوال، وإلا فلا معنى للاستثناء. ثم قال ] عطاء غير
مجذوذ [ [ هود : 108 ] أي غير
مقطوع.
وقالوا في
قوله ] لا يذوقون
فيها الموت إلا الموتة الأولى [ [ الدخان: 56 ] : كيف
يستثنى موتا كان في الدنيا من مكثهم في الجنة ؟ وهل يجوز أن يقال في الكلام : لا
أعطيك اليوم درهما إلا ما أعطيتك أمس ؟
وقالوا في
قوله ] إن الذين
آمنوا وعملوا الصالحات سيجعل لهم الرحمن ودا [ [ مريم : 96 ] : هل يجوز
أن يقال : فلان يجعل لك حبا، أي يحبك ؟
وفي قوله ] وجعلنا نومكم
سباتا [ [ النبأ : 9 ] والسبات
هو: النوم، فكيف يجوز أن يجعل نومنا نوما ؟
وفي قوله ] ويطاف عليهم
بآنية من فضة وأكواب كانت قواريرا . قواريرا من فضة [ [ الإنسان : 15،16 ] وقوله ] لنرسل عليهم
حجارة من طين [ [ الذاريات : 33 ] : كيف يكون زجاج من فضة ؟ وحجارة من طين ...
وذكر غيرها[3]
وختمها بقوله : وقد ذكرت الحجة
عليهم في جميع ما ذكروا، وغيره مما تركوا، وهو يشبه ما أنكروا، ليكون الكتاب جامعا
للفن الذي قصدت له .اهـ[4]
ومن أجوبته :
قال : وأما
قوله ] وجعلنا نومكم
سباتا [ [ النبأ : 9 ] ، فليس
السبات – هاهنا –: النوم، فيكون معناه : وجعلنا نومكم نوما.
ولكن
السبات : الراحة، أي جعلنا النوم راحة لأبدانكم. ومنه قيل : يوم السبت، لأن الخلق
اجتمع في يوم الجمعة، وكان الفراغ منه يوم السبت، فقيل لبني إسرائيل : استريحوا في
هذا اليوم، ولا تعملوا شيئا، فسمي يوم السبت، أي يوم الراحة. وأصل السبت : التمدد،
ومن تمدد استراح. ومنه قيل : رجل مسبوت، ويقال : سبتت المرأة شعرها: إذا نقضته من
العقص وأرسلته...
ثم قد يسمى
النوم سباتا، لأنه بالتمدد يكون. ومثل هذا كثير، وستراه في "باب المجاز" إن شاء الله .اهـ[5]
قال : وقوله
] وأقبل بعضهم
على بعض يتساءلون [ [ الطور : 25 ] ، وهو يقول
في موضع آخر ] فلا أنساب
بينهم يومئذ ولا يتساءلون [ [ المؤمنون : 101 ] فإنه إذا
نفخ في الصور نفخة واحدة، تقطعت الأرحام، وبطلت الأنساب، وشغلوا بأنفسهم عن التساءل
و ] فصعق من في
السماوات ومن في الأرض إلا من شاء الله [ [ الزمر: 68 ] فإذا نفخ
فيه أخرى قاموا ينظرون ] وأقبل بعضهم على بعض يتساءلون [ وقالوا ] من بعثنا من مرقدنا هذا ما وعد الرحمن
وصدق المرسلون [ [ يس : 52 ] وهو معنى
قول ابن عباس .اهـ[6]
الرياض المزهرات في شرح البردة والمعلقات 20
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق